تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٧٢
واليهودي اللذين قضى بينهما عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بما قضى. وأخرج الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي من طريق الزهري " أن عروة بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام أنه خاصم رجلا من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما النخل فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله إن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك، واستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم فقال الزبير: ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك * (فلا وربك) * " الخ..
* (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دي‍اركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) *.
* (ولو أنا كتبنا عليهم) * أي فرضنا وأوجبنا * (أن اقتلوا أنفسكم) * أي كما أمرنا بني إسرائيل وتفسير ذلك بالتعرض له بالجهاد بعيد * (أو اخرجوا من دي‍اركم) * كما أمرنا بني إسرائيل أيضا بالخروج من مصر. والمراد إنما كتبنا عليهم إطاعة الرسول والانقياد لحكمه والرضا به ولو كتبنا عليهم القتل والخروج من الديار كما كتبنا ذلك على غيرهم * (ما فعلوه إلا قليل منهم) * وهم المخلصون من المؤمنين كأبي بكر رضي الله تعالى عنه. فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: " لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر يا رسول الله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت فقال: صدقت يا أبا بكر " وكعبد الله بن رواحة، فقد أخرج عن شريح بن عبيد " أنها لما نزلت أشار صلى الله عليه وسلم إليه بيده فقال: لو أن الله تعالى كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل "، وكابن أم عبد، فقد أخرج عن سفيان " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه لو نزلت كان منهم "، وأخرج عن الحسن قال: " لما نزلت هذه الآية قال أناس من الصحابة: لو فعل ربنا لفعلنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي " وروي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: " والله لو أمرنا لفعلنا فالحمد لله الذي عافانا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي ".
وفي بعض الآثار أن الزبير وصاحبه لما خرجا بعد الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرا على المقداد فقال: لمن القضاء؟ فقال الأنصاري: لابن عمته ولوى شدقه ففطن يهودي كان مع المقداد فقال: قاتل الله تعالى هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ويتهمونه في قضاء يقضى بينهم وأيم الله تعالى لقد أذنبنا ذنبا مرة في حياة موسى عليه السلام فدعانا إلى التوبة منه، وقال: اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفا في طاعة ربنا حتى رضي عنا؛ فقال ثابت بن قيس: أما والله إن الله تعالى ليعلم مني الصدق لو أمرني محمد صلى الله عليه وسلم أن أقتل نفسي لقتلتها، وروي أن قائل ذلك هو وابن مسعود وعمار بن ياسر، وأنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فقال: " والذي نفسي بيده إن من أمتي رجالا الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي وإن الآية نزلت فيهم، وفي رواية البغوي
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»