تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٨٦
الناس، أو يخشون أشد خشية - على أن الأول: مصدر والثاني: حال، وقيل عليه: إن حذف المضاف أهون من حذف الجملة وأوفى بمقتضى المقابلة وحسن المطابقة؛ وجوز أن يكون * (خشية) * منصوبا على المصدرية و * (أشد) * صفة له قدمت عليه، فانتصب على الحالية، وذكر بعضهم أن التمييز بعد اسم التفضيل قد يكون نفس ما انتصب عنه نحو: * (فالله خير خافظا) * (يوسف: 64) فإن الحافظ هو الله تعالى كما لو قلت: الله خير حافظ بالجر، وحينئذ لا مانع من أن تكون الخشية نفس الموصوف ولا يلزم أن يكون للخشية خشية بمنزلة أن يقال: أشد خشية بالجر، والقول - بأن جواز هذا فيما إذا كان التمييز نفس الموصوف بحسب المفهوم واللفظ محل نظر محل نظر، إذ اتحاد اللفظ مع حذف الأول ليس فيه كبير محذور. وهذا إيراد قوي على ما قيل، وقد نقل ابن المنير عن " الكتاب " ما يعضده فتأمل، و * (أو) * قيل: للتنويع، وقيل: للإبهام على السامع، وقيل: للتخيير، وقيل: بمعنى الواو، وقيل: بمعنى بل * (وقالوا) * عطف على جواب - لما - أي: فلما كتب عليهم القتال فاجأ بعضهم بألسنتهم أو بقلوبهم، وحكاه الله تعالى عنهم على سبيل تمني التخفيف لا الاعتراض على حكمه تعالى، والإنكار لإيجابه ولذا لم يوبخوا عليه * (ربنا لم كتبت علينا القتال) * في هذا الوقت. * (لولا أخرتنا إلى أجل قريب) * وهو الأجل المقدر؛ ووصف بالقريب للاستعطاف أي أنه قليل لا يمنع من مثله، والجملة كالبيان لما قبلها ولذا لم تعطف عليه، وقيل: إنما لم تعطف عليه للإيذان بأنهما مقولان مستقلان لهم، فتارة قالوا الجملة الأولى، وتارة الجملة الثانية، ولو عطفت لتبادر أنهم قالوا مجموع الكلامين بعطف الثانية على الأولى * (قل) * أي تزهيدا لهم فيما يؤملونه بالقعود عن القتال والتأخير إلى الأجل المقدر من المتاع الفاني وترغيبا فيما ينالونه بالقتال من النعيم الباقي * (مت‍اع الدنيا) * أي جميع ما يستمتع به وينتفع في الدنيا * (قليل) * في نفسه سريع الزوال وهو أقل قليل بالنسبة إلى ما في الآخرة * (والآخرة) * أي ثوابها المنوط بالأعمال التي من جملتها القتال * (خير) * لكم من ذلك المتاع القليل لكثرته وعدم انقطاعه وصفائه عن الكدورات، وفي اختلاف الأسلوب ما لا يخفى، وإنما قال سبحانه: * (لمن اتقى) * حثا لهم وترغيبا على الاتقاء والإخلال بموجب التكليف. وقيل: المراد أن نفس الآخرة خير ولكن للمتقين، لأن للكافر والعاصي هنالك نيرانا وأهوالا، ولذا قيل: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، ولا يخفى أن الأول أنسب بالسياق * (ولا تظلمون فتيلا) * عطف على مقدر أي تجزون فيها ولا تبخسون هذا المقدار اليسير فضلا عما زاد من ثواب أعمالكم فلا ترغبوا عن القتال الذي هو من غرورها، وقرأ ابن كثير وكثير * (ولا يظلمون) * بالياء إعادة للضمير إلى ظاهر من..
* (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا ه‍اذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا ه‍اذه من عندك قل كل من عند الله فما له‍اؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) *.
* (أينما تكونوا يدرككم الموت) * يحتمل أن يكون ابتداء كلام مسوق من قبله تعالى بطريق تلوين الخطاب وصرفه عن سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم إلى ما ذكر أولا اعتناءا بإلزامهم إثر بيان حقارة الدنيا وفخامة الآخرة بواسطته صلى الله عليه وسلم فلا محل للجملة من الإعراب، ويحتمل أن يكون داخلا في حيز القول المأمور به، فمحل الجملة النصب، وجعل غير واحد ما تقدم جوابا للجملة الأولى من قولهم، وهذا جوابا للثانية منه، فكأنه لما قالوا: * (لم كتبت علينا القتال) *؟ أجيبوا ببيان الحكمة بأنه كتب عليكم ليكثر تمتعكم ويعظم نفعكم لأنه يوجب تمتع الآخرة، ولما قالوا: * (لولا أخرتنا) * (النساء: 77)؟! الخ أجيبوا بأنه: أينما تكونوا في السفر أو في الحضر يدرككم الموت لأن الأجل مقدر
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»