قبلهم من الأمم، والكتاب عام للكتب الإلهية، ولا ضرورة تدعو إلى تخصيص الموصول باليهود والكتاب بالتوراة، بل قد يدعى أن التعميم أولى بالغرض المسوق له الكلام وهو تأكيد الأمر بالإخلاص، و * (من) * متعلقة - بوصينا - أو - بأوتوا - * (وإياكم) * عطف على الموصول وحكم الضمير المعطوف أن يكون منفصلا ولم يقدم ليتصل لمراعاة الترتيب الوجودي * (أن اتقوا الله) * أي وصينا كلا منهم ومنكم بأن اتقوا الله تعالى على أن * (أن) * مصدرية بتقدير الجار ومحلها نصب أو جر على المذهبين، ووصلها بالأمر - كالنهي وشبهه - جائز كما نص عليه سيبويه، ويجوز أن تكون مفسرة للوصية لأن فيها معنى القول.
وقوله تعالى: * (وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض) * عطف على * (وصينا) * بتقدير قلنا - أي وصينا وقلنا لكم ولهم إن تكفروا فاعلموا أنه سبحانه مالك الملك والملكوت لا يضره كفركم ومعاصيكم، كما أنه لا ينفعه شكركم وتقواكم وإنما وصاكم وإياهم لرحمته لا لحاجته - وفي الكلام تغليب للمخاطبين على الغائبين، ويشعر ظاهر كلام البعض أن العطف على * (اتقوا الله) * وتعقب بأن الشرطية لا تقع بعد أن المصدرية، أو المفسرة فلا يصح عطفها على الواقع بعدها سواء كان إنشاءا أم إخبارا، والفعل * (وصينا) * أو أمرنا أو غيره، وقيل: إن العطف المذكور من باب: علفتها تبنا وماءا باردا (c) وجوز أبو حيان أن تكون جملة مستأنفة خوطب بها هذه الأمة وحدها، أو مع الذين أوتوا الكتاب * (وكان الله غنيا) * بالغنى الذاتي عن الخلق وعبادتهم * (حميدا) * أي محمودا في ذاته حمدوه أم لم يحمدوه، والجملة تذييل مقرر لما قبله، وقيل: إن قوله سبحانه: * (ولله ما في السموات) * الخ تهديد على الكفر أي أنه تعالى قادر على عقوبتكم بما يشاء، ولا منجى عن عقوبته فإن جميع ما في السموات والأرض له، وقوله عز وجل: * (وكان الله غنيا حميدا) * للإشارة إلى أنه جل وعلا لا يتضرر بكفرهم [بم وقوله سبحانه:
* (ولله ما فى السماوات وما فى الارض وكفى بالله وكيلا) *.
* (ولله ما في السماوات وما في الأرض) * يحتمل أن يكون كلاما مبتدأ مسوقا للمخاطبين توطئة لما بعده من الشرطية أي له سبحانه ما فيهما من الخلائق خلقا وملكا يتصرف في ذلك كيفما يشاء إيجادا وإعداما وإحياءا وإماتة، ويحتمل أن يكون كالتكميل للتذييل ببيان الدليل فإن جميع المخلوقات تدل لحاجتها وفقرها الذاتي على غناه وبما أفاض سبحانه عليها من الوجود والخصائص والكمالات على كونه حميدا * (وكفى بالله وكيلا) * تذييل لما قبله، والوكيل هو القيم والكفيل بالأمر الذي يوكل إليه، وهذا على الإطلاق هو الله تعالى، وفي " النهاية " يقال: " وكل فلان فلانا إذا استكفاه أمره ثقة (بكفايته) أو عجزا عن القيام بأمر نفسه، والوكيل في أسماء الله تعالى هو القيم (الكفيل) (1) بأرزاق العباد، وحقيقته أنه يستقل (بالأمر) الموكول إليه "، ولا يخفى أن الاقتصار على الأرزاق قصور فعمم، وتوكل على الله تعالى، وادعى البيضاوي - بيض الله تعالى غرة أحواله - أن هذه الجملة راجعة إلى قوله سبحانه: * (يغن الله كلا من سعته) * (النساء: 130) فإنه إذا توكلت وفوضت فهو الغني لأن من توكل على الله عز وجل كفاه، ولما كان ما بينهما تقريرا له لم يعد فاصلا، ولا يخفى أن على بعده لا حاجة إليه..
* (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت باخرين وكان الله على ذالك قديرا) *.
* (إن يشأ) * إن يرد إذهابكم وإيجاد آخرين * (يذهبكم) * يفنكم ويهلككم. * (أيها الناس ويأت بآخرين) * أي يوجد مكانكم دفعة قوما آخرين من البشر، فالخطاب لنوع من الناس، وقد أخرج سعيد بن منصور وابن جرير من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه " أنه لما نزل قوله تعالى: