في آية أخرى * (ولأضلنهم) * عن الطريق الحق * (ولأمنينهم) * الأماني الفاسدة من كسب اللذات الفانية * (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) * أي فليقطعن آذان نفوسهم عن سماع ما ينفعهم * (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) * (النساء: 119) وهي الفطرة التي فطر الناس عليها من التوحيد * (والذين آمنوا) * ووحدوا * (وعملوا الصالحات) * واستقاموا * (سندخلهم جنات) * (النساء: 122) جنة الأفعال وجنة الصفات وجنة الذات * (ليس) * أي حصول الموعود * (بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) * بل لا بد من السعي فيما يقتضيه، وفي المثل إن التمني رأس مال المفلس، * (ومن أحسن دينا) * أي حالا * (ممن أسلم وجهه لله) * وسلم نفسه إليه وفنى فيه * (وهو محسن) * مشاهد للجمع في عين التفصيل سالك طريق الإحسان بالاستقامة في الأعمال * (واتبع ملة إبراهيم) * في التوحيد * (حنيفا) * مائلا عن السوي * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 125) حيث تخللت المعرفة جميع أجزائه من حيث ما هو مركب فلم يبق جوهر فرد إلا وقد حلت فيه معرفة ربه عز وجل فهو عارف به بكل جزء منه، ومن هنا قيل: إن دم الحلاج لما وقع على الأرض انكتب بكل قطرة منه الله؛ وأنشد:
ما قد لي عضو ولا مفصل * إلا وفيه لكم ذكر * (ولله ما في السموات وما في الأرض) * لأن كل ما برز في الوجود فهو شأن من شؤونه سبحانه * (وكان الله بكل شيء محيطا) * (النساء: 126) من حيث إنه الذي أفاض عليه الجود، وهو رب الكرم والجود، لا رب غيره؛ ولا يرجى إلا خيره..
* (ويستفتونك فى النسآء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم فى الكتابفى يتامى النسآء اللاتى لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما) *.
* (ويستفتونك في النساء) * أي يطلبون منك تبيين المشكل من الأحكام في النساء مما يجب لهن وعليهن مطلقا فإنه عليه الصلاة والسلام قد سئل عن (أحكام) كثيرة مما يتعلق بهن فما بين (حكمه) فيما سلف أحيل بيانه على ما ورد في ذلك من الكتاب وما لم يبين (حكمه) (2) بعد بين هنا، وقال غير واحد: إن المراد: يستفتونك في ميراثهن، والقرينة الدالة على ذلك سبب النزول، فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جبير قال: كان لا يرث إلا الرجل الذي قد بلغ أن يقوم في المال ويعمل فيه ولا يرث الصغير ولا المرأة شيئا، فلما نزلت المواريث في سورة النساء شق ذلك على الناس، وقالوا: أيرث الصغير الذي لا يقوم في المال والمرأة التي هي كذلك فيرثان كما يرث الرجل؟! فرجوا أن يأتي في ذلك حدث من السماء فانتظروا فلما رأوا أنه لا يأتي حدث قالوا لئن تم هذا إنه لواجب ما عنه بد، ثم قالوا: سلوا فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان شيئا كانوا يقولون لا يغزون ولا يغنمون خيرا فنزلت، وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نحوه، وإلى الأول مال شيخ الإسلام.
* (قل الله يفتيكم فيهن) * أي يبين لكم حكمه فيهن، والإفتاء إظهار المشكل على السائل، وفي " البحر " " يقال: أفتاه إفتاءا وفتيا وفتوى، وأفتيت فلانا رؤياه عبرتها له ". * (وما يتلى عليكم في الكتاب) * في * (ما) * ثلاثة احتمالات: الرفع والنصب والجر، وعلى الأول: إما أن تكون مبتدأ والخبر محذوف أي - وما يتلى عليكم في القرآن يفتيكم ويبين لكم - وإيثار صيغة المضارع للإيذان بدوام التلاوة واستمرارها، وفي الكتاب متعلق - بيتلى - أو بمحذوف وقع حالا من المستكن فيه أي يتلى كائنا في الكتاب، وإما أن تكون مبتدأ، و * (في الكتاب) * خبره، والمراد بالكتاب حينئذ اللوح المحفوظ إذ لو أريد به معناه المتبادر لم يكن فيه فائدة إلا أن يتكلف له، والجملة معترضة مسوقة لبيان عظم شأن المتلو، وما يتلى