من غير ألف وأصله يصطلحا فخفف بإبدال الطاء المبدلة من تاء الافتعال صادا وأدغمت الأولى فيها لا أنه أبدلت التاء ابتداءا صادا وأدغم - كما قال أبو البقاء - لأن تاء الافتعال يجب قلبها طاءا بعد الأحرف الأربعة. وقرىء يصطلحا - وهو ظاهر، و * (صلحا) * على قراءة أهل الكوفة إما مفعول به على معنى يوقعا الصلح، أو بواسطة حرف أي يصلح، والمراد به ما يصلح به، و * (بينهما) * ظرف ذكر تنبيها على أنه ينبغي أن لا يطلع الناس على ما بينهما بل يسترانه عنهم أو حال من * (صلحا) * أي كائنا بينهما، وإما مصدر محذوف الزوائد، أو من قبيل (أنبتها الله نباتا) و * (بينهما) * هو المفعول على أنه اسم بمعنى التباين والتخالف، أو على التوسع في الظرف لا على تقدير ما بينهما كما قيل، ويجوز أن يكون * (بينهما) * ظرفا، والمفعول محذوف أي حالهما ونحوه، وعلى قراءة غيرهم يجوز أن يكون واقعا موقع تصالحا واصطلاحا، وأن يكون منصوبا بفعل مترتب على المذكور أي فيصلح حالهما صلحا واحتمال هذا في القراءة الأولى بعيد؛ وجوز أن يكون منصوبا على إسقاط حرف الجر أي يصالحا أو يصلحا بصلح أي بشيء تقع بسببه المصالحة * (والصلح خير) * أي من الفرقة وسوء العشرة أو من الخصومة، فاللام للعهد، وإثبات الخيرية للمفضل عليه على سبيل الفرض والتقدير أي إن يكن فيه خير فهذا أخير منه وإلا فلا خيرية فيما ذكر، ويجوز أن لا يراد بخير التفضيل بل يراد به المصدر أو الصفة أي أنه خير من الخيور فاللام للجنس، وقيل: إن اللام على التقديرين تحتمل العهدية والجنسية، والجملة اعتراضية، وكذا قوله تعالى: * (وأحضرت الأنفس الشح) * ولذلك اغتفر عدم تجانسهما إذ الأولى: إسمية والثاني: فعلية ولا مناسبة معنى بينهما، وفائدة الأولى: الترغيب في المصالحة، والثانية: تمهيد العذر في المماكسة والمشاقة كما قيل، وحضر متعد لواحد وأحضر لإثنين، والأول: هو * (الأنفس) * القائم مقام الفاعل؛ والثاني: * (الشح) *، والمراد أحضر الله تعالى الأنفس الشح وهو البخل مع الحرص، ويجوز أن يكون القائم مقام الفاعل هو الثاني أي إن الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا، أو إنها جعلت حاضرة له مطبوعة عليه فلا تكاد المرأة تسمح بحقوقها من الرجل ولا الرجل يكاد يجود بالإنفاق وحسن المعاشرة مثلا على التي لا يريدها، وذكر شيخ الإسلام " أن في ذلك تحقيقا للصلح وتقريرا له بحث كل من الزوجين عليه لكن لا بالنظر إلى حال نفسه فإن ذلك يستدعي التمادي في (المماكسة و) الشقاق بل بالنظر إلى حال صاحبه، فإن شح نفس الرجل وعدم ميلها عن حالتها الجبلية بغير استماله مما يحمل المرأة على بذل بعض حقوقها إليه لاستمالته، وكذا شح نفسها بحقوقها مما يحمل الرجل على أن يقنع من قبلها بشيء يسير ولا يكلفها بذل الكثير فيتحقق بذلك الصلح " الذي هو خير.
* (وإن تحسنوا) * في العشرة مع النساء * (وتتقوا) * النشوز والإعراض وإن تظافرت الأسباب الداعية إليهما وتصبروا على ذلك ولم تضطروهن على فوت شيء من حقوقهن، أو بذل ما يعز عليهن. * (فإن الله كان بما تعملون) * من الإحسان والتقوى أو بجميع ما تعملون، ويدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا * (خبيرا) * فيجازيكم ويثيبكم على ذلك، وقد أقام سبحانه كونه عالما مطلعا أكمل اطلاع على أعمالهم مقام مجازاتهم وإثابتهم عليها الذي هو في الحقيقة جواب الشرط إقامة السبب مقام المسبب، ولا يخفى ما في خطاب الأزواج بطريق الإلتفات، والتعبير عن رعاية حقوقهن بالإحسان، ولفظ التقوى المنبىء عن كون النشوز والإعراض مما يتوقى منه، وترتيب الوعد الكريم على ذلك من لطف الاستمالة والترغيب في حسن المعاملة.
* (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النسآء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها ك المعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) *.
* (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) * أي لا تقدروا ألبتة على العدل بينهن بحيث لا يقع ميل ما إلى جانب (إحداهن) (1)