وعد فصيحا، وقال أبو زيد: إنه قياسي، وعلى كل حال لا يرد على فصاحة القرآن كما حقق في موضعه. وقرىء * (ونمنعكم) * بالنصب بإضمار أن، والتقدير لم يكن منا الاستحواذ والمنع كقولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، سمي ظفر المسلمين فتحا وما للكافرين نصيبا لتعظيم شأن المسلمين وتخسيس حظ الكافرين، وقيل: سمي الأول فتحا إشارة إلى أنه من مداخل فتح دار الإسلام بخلاف ما للكافرين فإنه لا فتح لهم في استيلائهم بل سينطفىء ضياء ما نالوا.
* (فالله يحكم بينكم يوم القيامة) * فيثيب أحباءه ويعاقب أعداءه، وأما في الدنيا فأنتم وهم سواء في العصمة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم " وفي الكلام قيل: تغليب، وقيل: حذف أي بينكم وبينهم * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * أي يوم القيامة وحين الحكم كما قد يجعل ذلك في الدنيا ابتلاءا واستدراجا، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو في الدنيا أي لم يجعل لهم على المؤمنين سلطانا تاما بالاستئصال، أو حجة قائمة عليهم مفحمة لهم، وحكي ذلك عن السدي، ويجوز إبقاء الكلام على إطلاقه ليشمل الدنيا والآخرة ولعله الأولى، واحتج الشافعية بالآية على فساد شراء الكافر العبد المسلم لأنه لو صح لكان له عليه يد وسبيل بتملكه، ونحن نقول: يصح ولكن يمنع من استخدامه والتصرف فيه إلا بالبيع والإخراج عن ملكه فلم يحصل له سبيل عليه، واحتج بظاهرها بعض الأصحاب على وقوع الفرقة بين الزوجين بردة الزوج لأن عقد النكاح يثبت للزوج سبيلا في إمساكها في بيته وتأديبها ومنعها من الخروج وعليها طاعته فيما يقتضيه عقد النكاح، والمؤمنين والكافرين شامل للإناث وكذا الكافر إذا أسلمت زوجته، وضعف بأن الارتداد لا ينفي أن يكون النكاح إذا عاد إلى الإيمان قبل مضي العدة، واعترض بأنه حين الكفر لا سبيل له ونفي السبيل بوقوع الفرقة وبعد وقوع الفرقة لا بد لحدوث العلقة من موجب - وهو ظاهر - فإن كان العود يكون الارتداد كالطلاق الرجعي، والعود كالرجعة فلا ضعف فيه. وأنت تعلم أنه إذا كان نفي السبيل في الآخرة أو في الدنيا بالاستئصال، أو السبيل بمعنى الحجة لا متمسك في الآية لأصحابنا ولا الشافعية فلا تغفل..
* (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلواة قاموا كسالى يرآءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) *.
* (إن المنافقين يخادعون الله) * أي يفعلون ما يفعل المخادع فيظهرون الإيمان ويضمرون نقيضه، وعن الحسن - واختاره الزجاج - أن المراد يخادعون النبي صلى الله عليه وسلم على حد * (إنما يبايعون الله) * (الفتح: 10) * (وهو خادعهم) * أي فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع حيث تركهم في الدنيا معصومي الدماء والأموال وأعد لهم في الآخرة الدرك الأسفل من النار، وقيل: خداعه تعالى لهم أن يعطيهم سبحانه نورا يوم القيامة يمشون به مع المسلمين ثم يسلبهم ذلك النور ويضرب بينهم بسور، وروي ذلك عن الحسن، أيضا - والسدي - واختاره جماعة من المفسرين - وقد مر تحقيق ذلك ولله تعالى الحمد. والجملة في محل نصب على الحال أو معطوفة على خبر * (إن) * أو مستأنفة كالأولى.
* (وإذا قاموا إلى الصلاوة قاموا كسالى) * أي متثاقلين متباطئين لا نشاط لهم ولا رغبة كالمكره على الفعل لأنهم لا يعتقدون ثوابا في فعلها ولا عقابا على تركها، وقرىء بفتح الكاف وهما جمعا كسلان. * (يرآءون الناس) * ليحسبوهم مؤمنين، والمراآة مفاعلة من الرؤية إما بمعنى التفعيل لأن فاعل بمعنى فعل