* (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم) * (محمد: 38) ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على ظهر سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقال: إنهم قوم هذا " وفيه نوع تأييد لما ذكر في هذه الآية، وما نقل عن العراقي أن الضرب كان عند نزولها وحينئذ يتعين ما ذكر سهو على ما نص عليه الجلال السيوطي، وجوز الزمخشري وابن عطية ومقلدوهما أن يكون المراد خلقا آخرين أي جنسا غير جنس الناس، وتعقبه أبو حيان بأنه خطأ وكونه من قبيل المجاز - كما قيل - لا يتم به المراد لمخالفته لاستعمال العرب فإن - غيرا - تقع على المغاير في جنس أو وصف، - وآخر - لا يقع إلا على المغايرة بين أبعاض جنس واحد.
وفي " درة الغواص في أوهام الخواص " أنهم يقولون: ابتعت عبدا وجارية أخرى فيوهمون فيه لأن العرب لم تصف بلفظي آخر وأخرى وجمعهما إلا ما يجانس المذكور قبله كما قال تعالى: * (أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى) * (النجم: 19، 20) وقوله سبحانه: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * (البقرة: 185) فوصف جل اسمه - مناة - بالأخرى لما جانست - العزى اللات - ووصف الأيام بالأخر لكونها من جنس الشهر، والأمة ليست من جنس العبد لكونها مؤنثة وهو مذكر فلم يجز لذلك أن يتصف بلفظ أخرى كما لا يقال: جاءت هند ورجل آخر، والأصل في ذلك أن آخر من قبيل أفعل الذي يصحبه من، ويجانس المذكور بعده كما يدل على ذلك أنك إذا قلت: قال: الفند الزماني، وقال آخر: كان تقدير الكلام، وقال آخر: من الشعراء وإنما حذفت لفظة من لدلالة الكلام عليها، وكثرة استعمال آخر في النطق، وفي " الدر المصون " إن هذا غير متفق عليه، وإنما ذهب إليه كثير من النحاة وأهل اللغة؛ وارتضاه نجم الأئمة الرضي إلا أنه يرد على الزمخشري ومن معه أن آخرين صفة موصوف محذوف، والصفة لا تقوم مقام موصوفها إلا إذا كانت خاصة نحو مررت بكاتب، أو إذا دل الدليل على تعيين الموصوف - وهنا ليست بخاصة - فلا بد أن يكون من جنس الأول لتدل على المحذوف؛ وقال ابن يسعون والصقلي وجماعة: إن العرب لا تقول: مررت برجلين وآخر لأنه إنما يقابل آخر ما كان من جنسه تثنية وجمعا وإفرادا، وقال ابن هشام هذا غير صحيح لقول ربيعة بن يكدم: ولقد (شفعتهما بآخر ثالث) * وأبى الفرار إلى الغداة تكرمى وقال أبو حية النميري: وكنت أمشي على ثنتين معتدلا * فصرت أمشيء على (أخرى) من الشجر وإنما يعنون بكونه من جنس ما قبله أن يكون اسم الموصوف بآخر في اللفظ، أو التقدير يصح وقوعه على المتقدم الذي قوبل بآخر على جهة التواطؤ ولذلك لو قلت: جاءني زيد وآخر كان سائغا لأن التقدير ورجل آخر، وكذا جاءني زيد وأخرى تريد نسمة أخرى؛ وكذا اشتريت فرسا ومركوبا آخر سائغ، وإن كان المركوب الآخر جملا لوقوع المركوب عليهما بالتواطؤ فإن كان وقوع الاسم عليهما على جهة الإشتراك المحض فإن كانت حقيقتهما واحدة جازت المسألة نحو قام أحد الزيدين وقعد الآخر، وإن لم تكن حقيقتهما واحدة لم تجز لأنه لم يقابل به ما هو من جنسه نحو رأيت المشتري والمشتري الآخر تريد بأحدهما الكوكب، وبالآخر مقابل البائع، وهل يشترط مع التواطؤ اتفاقهما في التذكير؟ فيه خلاف، فذهب المبرد إلى عدم اشتراطه فيجوز جاءتني جاريتك وإنسان آخر، واشتراطه ابن جني، والصحيح ما ذهب إليه المبرد بدليل قول عنترة: والخيل تقتحم الغبار عوابسا * من بين منظمة (وآخر ينظم)