تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٦٣
في شأن من الشؤون كالقسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والممالحة والمفاكهة والمؤانسة وغيرها مما لا يكاد الحصر يأتي من ورائه. وأخرج البيهقي عن عبيدة أنه قال: لن تستطيعوا ذلك في الحب والجماع، وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود أنه قال: في الجماع، وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن وابن جرير عن مجاهد أنهما قالا: في المحبة، وأخرجا عن أبي مليكة أن الآية نزلت في عائشة رضي الله تعالى عنها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها أكثر من غيرها، وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم عنها أنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " وعنى صلى الله عليه وسلم: " بما تملك " المحبة وميل القلب الغير الاختياري * (ولو حرصتم) * على إقامة ذلك وبالغتم فيه * (فلا تميلوا كل الميل) * أي فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها حقها من غير رضا منها واعدلوا ما استطعتم فإن عجزكم عن حقيقة العدل لا يمنع عن تكليفكم بما دونها من المراتب التي تستطيعونها، وانتصاب * (كل) * على المصدرية فقد تقرر أنها بحسب ما تضاف إليه من مصدر أو ظرف أو غيره * (فتذروها) * أي فتدعوا التي ملتم عنها * (ك المعلقة) * وهي كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: التي ليست مطلقة ولا ذات بعل، وقرأ أبي - كالمسجونة - وبذلك فسر قتادة المعلقة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير المنصوب في * (تذروها) * وجوز السمين كونه في موضع المفعول الثاني لتذر على أنه بمعنى تصير، وحذف نون * (تذروها) * إما للناصب وهوأن المضمرة في جواب النهي، إما للجازم بناءا على أنه معطوف على الفعل قبله، وفي الآية ضرب من التوبيخ، وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط "، وأخرج غير واحد عن جابر بن زيد أنه قال: - كانت لي امرأتان فلقد كنت أعدل بينهما حتى أعد القبل -، وعن مجاهد قال: كانوا يستحبون أن يسووا بين الضرائر حتى في الطيب يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه، وعن ابن سيرين في الذي له امرأتان يكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى. * (وإن تصلحوا) * ما كنتم تفسدون من أمورهن * (وتتقوا) * الميل الذي نهاكم الله تعالى عنه فيما يستقبل * (فإن الله كان غفورا) * فيغفر لكم ما مضى من الحيف * (رحيما) * فيتفضل عليكم برحمته..
* (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما) *.
* (وإن يتفرقا) * أي المرأة وبعلها، وقرىء - يتفارقا - أي وإن لم يصطلحا ولم يقع بينهما وفاق بوجه ما من الصلح وغيره ووقعت بينهما الفرقة بطلاق * (يغن الله كلا) * منهما أي يجعله مستغنيا عن آخر ويكفه ما أهمه، وقيل: يغني الزوج بامرأة أخرى والمرأة بزوج الآخر * (من سعته) * أي من غناه وقدرته، وفي ذلك تسلية لكل من الزوجين بعد الطلاق، وقيل: زجر لهما عن المفارقة، وكيفما كان فهو مقيد بمشيئة الله تعالى * (وكان الله واسعا) * أي غنيا وكافيا للخلق، أو مقتدرا أو عالما * (حكيما) * متقنا في أفعاله وأحكامه..
* (ولله ما فى السم‍اوات وما فى الارض ولقد وصينا الذين أوتوا الكت‍ابمن قبلكم وإي‍اكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما فى السم‍اوات وما فى الارض وكان الله غنيا حميدا) *.
* (ولله ما في السم‍اوات وما في الأرض) * فلا يتعذر عليه الإغناء بعد الفرقة، ولا الإيناس بعد الوحشة - ولا ولا - وفيه من التنبيه على كمال سعته وعظم قدرته ما لا يخفى، والجملة مستأنفة جيء بها - على ما قيل - لذلك * (ولقد وصينا الذين أوتوا الكت‍ابمن قبلكم) * أي أمرناهم بأبلغ وجه، والمراد بهم اليهود والنصارى ومن
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»