تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٧٤
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: الرضا بكفر الغير إنما يكون كفرا إذا كان يستجيز الكفر أو يستحسنه أما إذا لم يكن كذلك ولكن أحب الموت أو القتل على الكفر لمن كان مؤذيا حتى ينتقم الله تعالى منه فهذا لا يكون كفرا، ومن تأمل قوله تعالى: * (ربنا اطمس) * (يونس: 88) الآية يظهر له صحة هذه الدعوى وهو المنقول عن الماتريدي، وقول بعضهم: إن من جاءه كافر ليسلم فقال: اصبر حتى أتوضأ أو أخره يكفره لرضاه بكفره في زمان موافق لما روي عن الإمام لكن يدل على خلافه ما روي في الحديث الصحيح في فتح مكة أن ابن أبي سرح أتى به عثمان رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايعه فكف صلى الله عليه وسلم يده ونظر إليه ثلاث مرات وهو معروف في السير، وهو يدل بظاهره على أن التوقف مطلقا ليس كما قالوه كفرا. واستدل بعضهم بالآية على تحريم مجالسة الفساق والمبتدعين من أي جنس كانوا، وإليه ذهب ابن مسعود وإبراهيم وأبو وائل، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وروى عنه هشام بن عروة أنه ضرب رجلا صائما كان قاعدا مع قوم يشربون الخمر، فقيل له في ذلك: فتلا الآية، وهي أصل لما يفعله المصنفون من الإحالة على ما ذكر في مكان آخر، والتنبيه عليه والاعتماد على المعنى، ومن هنا قيل: إن مدار الإعراض عن الخائضين فيما يرضي الله تعالى هو العلم بخوضهم، ولذلك عبر عن ذلك تارة بالرؤية وأخرى بالسماع، وأن المراد بالإعراض إظهار المخالفة بالقيام عن مجالستهم لا الإعراض بالقلب أو بالوجه فقط، وعن الجبائي إن المحذور مجالستهم من غير إظهار كراهة لما يسمعه أو يراه، وعلى هذا - الذي ذهب إليه بعض المحققين - يحتمل أن يراد بالمنافقين والكافرين في جملة التعليل ما أريد بضمير * (معهم) *، وصرح بهذا العنوان لما أشرنا إليه قبل، ويحتمل أن يراد الجنس ويدخل أولئك فيه دخولا أوليا..
* (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للك‍افرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القي‍امة ولن يجعل الله للك‍افرين على المؤمنين سبيلا) *.
والخطاب في قوله تعالى: * (الذين يتربصون بكم) * للمؤمنين الصادقين بلا خلاف، والموصول إما بدل من - * (الذين يتخذون) * - (النساء: 139) أو صفة للمنافقين فقط إذ هم المتربصون دون الكافرين. وجوز أبو البقاء وغيره كونه صفة لهما أو مرفوع أو منصوب على الذم، وجعله مبتدأ خبره الجملة شرطية لا يخلو من تكلف، والتربص الانتظار، والظاهر من كلام البعض أن مفعوله مقدر والجار والمجرور متعلق به أي ينتظرون وقوع أمر بكم وكلام الراغب يقتضي أنه يتعدى بالباء لأنه من انتظر بالسلعة غلاء السعر، والفاء في قوله تعالى: * (فإن كان لكم فتح من الله) * لترتيب مضمونه على ما قبلها فإن حكاية تربصهم مستتبعة لحكاية ما يقع بعد ذلك أي فإن اتفق لكم فتح وظفر على الأعداء * (قالوا) * أي لكم * (ألم نكن معكم) * نجاهد عدوكم فأعطونا نصيبا من الغنيمة * (وإن كان للك‍افرين نصيب) * أي حظ من الحرب، فإنها سجال * (قالوا) * أي المنافقون للكفار * (ألم نستحوذ عليكم) * أي ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم، أو ألم نغلبكم بالتفضل ونطلعكم على أسرار محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونكتب إليكم بأخبارهم حتى غلبتم عليهم * (ونمنعكم من المؤمنين) * أي ندفع عنكم صولة المؤمنين بتخذيلنا إياهم وتثبيطنا لهم وتوانينا في مظاهرتهم وإلقائنا عليهم ما ضعفت به قلوبهم عن قتالكم فاعرفوا لنا هذا الحق عليكم وهاتوا نصيبنا مما أصبتم. وقيل: المعنى ألم نغلبكم على رأيكم بالموالاة لكم ونمنعكم من الدخول في جملة المؤمنين وهو خلاف الظاهر، وأصل الاستحواذ الاستيلاء، وكان القياس فيه استحاذ يستحيذ استحاذة بالقلب لكن صحت فيه الواو وكثر ذلك فيه، وفي نظائر له حتى ألحق بالمقيس
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»