تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٥٨
من الحكمة * (ولا تكن للخائنين) * الذين لم يؤدوا أمانة الله تعالى التي أودعت عندهم في الأزل مما ذكر في استعدادهم من إمكان طاعته وامتثال أمره * (خصيما) * (النساء: 105) تدفع عنهم العقاب وتسلط الخلق عليهم بالذل والهوان، أو تقول لله تعالى: يا رب لم خذلتهم وقهرتهم فإنهم ظالمون، ولله تعالى الحجة البالغة عليهم.
* (واستغفر الله) * من الميل الطبيعي الذي اقتضته الرحمة التي أحاطت بك * (إن الله كان غفورا رحيما) * (النساء: 106) فيفعل ما تطلبه منه وزيادة * (ولا تجادل) * أحدا * (عن الذين يختانون أنفسهم) * بتضييع حقوقها * (إن الله لا يحب من كان خوانا) * لنفسه * (أثيما) * (النساء: 107) مرتكبا الإثم ميالا مع الشهوات * (يستخفون من الناس) * بكتمان رذائلهم وصفات نفوسهم * (ولا يستخفون من الله) * بإزالتها وقلعها * (وهو معهم) * محيط بظواهرهم وبواطنهم * (إذ يبيتون) * أي يدبرون في ظلمة عالم النفس والطبيعة * (ما لا يرضى من القول) * من الوهميات والتخيلات الفاسدة * (وكان الله بما يعملون محيطا) * (النساء: 108) فيجازيهم حسب أعمالهم * (ومن يعمل سوءا) * بظهور صفة من صفات نفسه * (أو يظلم نفسه) * بنقص شيء من كمالاتها * (ثم يستغفر الله) * ويطلب منه ستر ذلك بالتوجه إليه والتذلل بين يديه * (يجد الله غفورا رحيما) * (النساء: 110) فيستر ويعطي ما يقتضيه الاستعداد * (ومن يكسب خطيئة) * بإظهار بعض الرذائل * (أو إثما) * بمحو ما في الاستعداد * (ثم يرم به بريئا) * بأن يقول: حملني الله تعالى على ذلك، أو حملني فلان عليه * (فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) * (النساء: 112) حيث فعل ونسب فعله إلى الغير ولو لم تكن مستعدة لذلك طالبة له بلسان الاستعداد في الأزل لم يفض عليه ولم يبرز إلى ساحة الوجود، ولذا أفحم إبليس اللعين أتباعه بما قص الله تعالى لنا من قوله: * (إن الله وعدكم وعد الحق) * إلى أن قال: * (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) * (إبراهيم: 22)، * (ولولا فضل الله عليك) * أي توفيقه وإمداده لسلوك طريقه * (ورحمته) * حيث وهب لك الكمال المطلق * (لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم) * لعود ضرره عليهم، وحفظك في قلاع استعدادك عن أن ينالك شيء من ذلك * (وأنزل (الله) عليك الكتاب) * الجامع لتفاصيل العلم * (والحكمة) * التي هي أحكام تلك التفاصيل مع العمل * (وعلمك ما لم تكن تعلم) * من علم عواقب الخلق وعلم ما كان وما سيكون * (وكان فضل الله عليك عظيما) * (النساء: 113) حيث جعلك أهلا لمقام قاب قوسين أو أدنى ومن عليك بما لا يحيط به سوى نطاق الوجود * (لا خير في كثير من نجواهم) * وهو ما كان من جنس الفضول، والأمر الذي لا يعني * (إلا) * نجوى * (من أمر بصدقة) * وأرشد إلى فضيلة السخاء الناشىء من العفة، * (أو معروف) * قولي كتعلم علم، أو فعلي كإغاثة ملهوف * (إو إصلاح بين الناس) * الذي هو من باب العدل * (ومن يفعل ذلك) * ويجمع بين تلك الكمالات * (ابتغاء مرضاة الله) * لا للرياء والسمعة من كل ما يعود به الفضيلة رذيلة فسوف يؤتيه الله تعالى * (أجرا عظيما) * (النساء: 114) ويدخله جنات الصفات * (ومن يشاقق الرسول) * أي يخالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، أو العقل المسمى عندهم بالرسول النفسي * (ويتبع غير سبيل المؤمنين) * أي غير ما عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اقتفى أثرهم من الأخيار أو القوى الروحانية * (نوله ما تولى ونصله جهنم) * الحرمان * (وساءت مصيرا) * (النساء؛ 115) لمن يصلاها * (إن يدعون من دونه إلا إناثا) * وهي الأصنام المسماة بالنفوس إذ كل من يعبد غير الله تعالى فهو عابد لنفسه مطيع لهواها، أو المراد بالإناث الممكنات لأن كل ممكن محتاج ناقص من جهة إمكانه منفعل متأثر عند تعينه فهو أشبه كل شيء بالأنثى * (وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) * (النساء؛ 117) وهو شيطان الوهم حيث قبلوا إغواءه وأطاعوه * (لعنه الله) * أي أبعده عن رياض قربه * (وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) * (النساء؛ 118) وهم غير المخلصين الذين استثنوا
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»