تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٧٣
لأنهما في حكم شيء واحد. وقوله تعالى: * (إنكم إذا مثلهم) * تعليل للنهي غير داخل تحت التنزيل و * (إذا) * ملغاة لأن شرط عملها النصب في الفعل أن تكون في صدر الكلام فلذا لم يجىء بعدها فعل، و - مثل - خبر عن ضمير الجمع وصح مع إفراده لأنه في الأصل مصدر، فيستوي فيه الواحد المذكر وغيره، وقيل: لأنه كالمصدر في الوقوع على القليل والكثير؛ أو لأنه مضاف لجمع فيعم، وقد يطابق ما قبله كقوله تعالى: * (ثم لا يكونوا أمثالكم) * (محمد: 38)، والجمهور على رفعه، وقرىء شاذا بالنصب، فقيل: إنه منصوب على الظرفية لأن معنى قولك: زيد مثل عمرو في أنه حال مثله، وقيل: إنه إذا أضيف إلى مبنى اكتسب البناء ولا يختص ذلك بما المصدرية كما توهم بل يكون فيها مثل * (مثل ما أنكم تنطقون) * (الذاريات: 23)، وفي غيرها كقوله: فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم * إذ هم قريش وإذ (ما) مثلهم بشر وابن مالك يشترط لاكتساب البناء أن لا يقبل المضاف التثنية والجمع - كدون وغير وبين - ولم يصحح ذلك في - مثل - وأعربه حالا من الضمير المستتر في - حق - في قوله تعالى: * (إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) * (الذاريات: 23).
وقوله تعالى: * (إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا) * تعليل لكونهم مثلهم في الكفر ببيان ما يستلزمه من شركتهم لهم في العذاب، والمراد من المنافقين إما المخاطبون، وأقيم المظهر مقام المضمر تسجيلا لنفاقهم وتعليلا للحكم بمأخذ الإشتقاق، وإما للجنس وهم داخلون دخولا أوليا وتقديمهم لتشديد الوعيد على المخاطبين وانتصابه على الحال طرز ما مر، واستشكل كون الخطاب للمنافقين بأنهم مثل الكافرين في الكفر من غير سببية القعود معهم فلا وجه لترتب الجزاء على الشرط، والعدول عن كون المماثلة في الكفر إلى المماثلة في المجاهرة به لا يحسن معه كون جملة * (إن الله) * الخ تعليلا لكونهم مثلهم بتلك المماثلة بالطريق الذي ذكر، وأيضا الذين نهوا عن مجالسة الكافرين والمستهزئين بمكة هم المؤمنون المخلصون لا المنافقون لأن نجم النفاق إنما ظهر بالمدينة، فكيف يذكر المنافقون فيها بنهي نزل في مكة قبل أن يكونوا؟. وأجيب عن هذا بأنه إن سلم أن المنزل على النبي كان خوطب به خاصة منزل على الأمة مخلصهم ومنافقهم إلى قيام الساعة، صح دخول المنافقين وإن لم يكونوا وقت النزول وإن لم يسلم ذلك فإن ادعى الاقتصار على النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل المؤمنون المخلصون أيضا. وإن ادعى دخولهم فقط دون المنافقين الذين هم مؤمنون ظاهرا فلا دليل عليه، كيف وجميع الأحكام متعلقة بالمؤمنين كيف كانوا ولسنا مكلفين بأن نشق على قلوب العباد، بل لنا الظاهر والله تعالى يتولى السرائر، على أنه قد قام الدليل على أن الأحكام الشرعية التي كانت صدر الإسلام ولم تنسخ مخاطب بها من نطق بالكلمة الطيبة وبلغته قبل يوم الساعة، فقد قال الله تعالى: * (لأنذركم به ومن بلغ) * (الأنعام: 19) ولهذه الدغدغة قال بعض المحققين: إن المقصود من الخطاب هنا المؤمنون الصادقون، والمراد بمن يكفر ويستهزىء أعم من المنافقين والكافرين، وضمير * (معهم) * للمفهوم من الفعلين، ويؤيد ذلك ما نقل عن الواحدي أنه قال: كان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود فيسخرون من القرآن فنهى الله تعالى المسلمين عن مجالستهم، والمراد من المماثلة في الجزاء المماثلة في الإثم لأنهم قادرون على الإعراض والإنكار لا عاجزون كما في مكة، أو في الكفر على معنى إن رضيتم بذلك وهو مبني على أن الرضا بكفر الغير كفر من غير تفصيل، وهي رواية عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه عثر عليها صاحب " الذخيرة ".
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»