تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٥٧
الأعمال البدنية * (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * (النساء: 101) أي حجبوا عن الحق من قوى الوهم والتخيل، وحاصله الترخيص لأرباب السلوك عند خوف فتنة القوى أن ينقصوا من الأعمال البدنية ويزيدوا في الأعمال القلبية كالفكر والذكر ليصفوا القلب ويشرق نوره على القوى فتقل غائلتها فتزكو عند ذلك الأعمال البدنية، ولا يجوز عند أهل الاختصاص ترك الفرائض لذلك كما زعمه بعض الجهلة * (وإذا كنت فيهم) * ولم تكن غائبا عنهم بسيرك في غيب الغيب وجلال المشاهدة وعائما في بحار " لي مع الله تعالى وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل " * (فأقمت لهم الصلاة) * أي الأعمال البدنية * (فلتقم طائفة منهم معك) * وليفعلوا كما تفعل * (وليأخذوا أسلحتهم) * من قوى الروح ويجمعوا حواسهم ليتأتى لهم المشابهة، أو ليقفوا على ما في فعلك من الأسرار فلا تضلهم الوسائس * (فإذا سجدوا) * وبلغوا الغاية في معرفة ما أقمته لهم وأتوا به على وجهه * (فليكونوا من ورائكم) * ذابين عنكم اعتراض الجاهلين، أو قائمين بحوائجكم الضرورية * (ولتأت طائفة أخرى) * منهم * (لم يصلوا) * بعد * (فليصلوا معك) * وليفعلوا فعلك * (وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم) * كما أخذ الأولون أسلحتهم، وإنما أمر هؤلاء بأخذ الحذر أيضا حثا لهم على مزيد الاحتياط لئلا يقصروا فيما يراد منهم اتكالا على الأخذ بعد ممن أخذ أولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحاصل هذا الإشارة إلى أن تعليم الشرائع والآداب للمريدين ينبغي أن يكون لطائفة طائفة منهم ليتمكن ذلك لديهم أتم تمكن، وقيل: الطائفة الأولى إشارة إلى الخواص، والثانية إلى العوام ولهذا اكتفى في الأول بالأمر بأخذ الأسلحة، وفي الثاني أمر الحذر أيضا * (ود الذين كفروا) * وهم قوى النفس الأمارة * (لو تغفلون عن أسلحتكم) * وهي قوى الروح * (وأمتعتكم) * وهي المعارف الإلهية * (فيميلون عليكم ميلة واحدة) * ويرمونكم بنبال الآفات والشكوك ويهلكونكم * (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى) * بأن أصابكم شؤبوب * (من مطر) * يعني مطر سحائب التجليات * (أو كنتم مرضى) * بحمى الوجد والغرام وعجزتم عن أعمال القوى الروحانية * (أن تضعوا أسلحتكم) * وتتركوا أعمال تلك القوى حتى يتجلى ذلك السحاب وينقطع المطر وتهتز أرض قلوبكم بأزهار رحمة الله تعالى وتطفأ حمى الوجد بمياه القرب * (وخذوا حذركم) * عند وضع أسلحتكم واحفظوا قلوبكم من الالتفات إلى غير الله تعالى * (إن الله أعد للكافرين) * من القوى النفسانية * (عذابا مهينا) * (النساء: 102) أي مذلا لهم وذلك عند حفظ القلب وتنور الروح * (فإذا قضيتم الصلاة) * أي أديتموها * (فاذكروا الله) * في جميع الأحوال * (قياما) * في مقام الروح بالمشاهدة * (وقعودا) * في محل القلب بالمكاشفة * (وعلى جنوبكم) * أي تقلباتكم في مكان النفس بالمجاهدة * (فإذا اطمأننتم) * ووصلتم إلى محل البقاء * (فأقيموا الصلاة) * فأدوها على الوجه الأتم لسلامة القلب حينئذ عن الوساوس النفسانية التي هي بمنزلة الحدث عند أهل الاختصاص * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * (النساء: 103) فلا تسقط عنهم ما دام العقل والحياة * (ولا تهنوا في ابتغاء القوم) * الذين يحاربونكم وهم النفس وقواها * (فإنهم يألمون) * منكم لمنعكم لهم عن شهواتهم * (كما تألمون) * منهم لمعارضتهم لكم عن السير إلى الله تعالى * (وترجون من الله) * أي تأملون منه سبحانه * (ما لا يرجون) * لأنكم ترجون التنعم بجنة القرب والمشاهدة، ولا يخطر ذلك لهم ببال، أو تخافون القطيعة وهم لا يخافونها * (وكان الله عليما) * فيعلم أحوالكم وأحوالهم * (حكيما) * (النساء؛ 104) فيفيض على القوابل حسب القابليات * (إنا أنزلنا إليك الكتاب) * أي علم تفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها * (بالحق) * متلبسا ذلك الكتاب بالصدق أو قائما أنت بالحق لا بنفسك * (لتحكم بين الناس) * خواصهم وعوامهم * (بما أراك الله) * أي بما علمك الله سبحانه
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»