تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٥٤
* (ولا يظلمون نقيرا) * أي لا ينقصون شيئا حقيرا من ثواب أعمالهم، فإن النقير علم في القلة والحقارة، وأصله نقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة، ويعلم من نفي تنقيص ثواب المطيع نفي زيادة عقاب العاصي من باب الأولى لأن الأذى في زيادة العقاب أشد منه في تنقيص الثواب، فإذا لم يرض بالأول - وهو أرحم الراحمين - فكيف يرضى بالثاني - وهو السر في تخصيص عدم تنقيص الثواب بالذكر دون ذكر عدم زيادة العقاب - مع أن المقام مقام ترغيب في العمل الصالح فلا يناسبه إلا هذا، والجملة تذييل لما قبلها أو عطف عليه..
* (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا) *.
* (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله) * أي أخلص نفسه له تعالى لا يعرف لها ربا سواه، وقيل: أخلص توجهه له سبحانه، وقيل: بذل وجهه له عز وجل في السجود، والاستفهام إنكاري وهو في معنى النفي، والمقصود مدح من فعل ذلك على أتم وجه، و * (دينا) * نصب على التمييز من * (أحسن) * منقول من المبتدأ، والتقدير: ومن دينه أحسن من دين من أسلم الخ، فيؤول الكلام إلى تفضيل دين على دين، وفيه تنبيه على أن صرف العبد نفسه بكليتها لله تعالى أعلى المراتب التي تبلغها القوة البشرية، و * (ممن) * متعلق بأحسن وكذا الإسم الجليل، وجوز فيه أن يكون حالا من * (وجهه) *.
* (وهو محسن) * أي آت بالحسنات تارك للسيئات، أو آت بالأعمال الصالحة على الوجه اللائق الذي هو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الإحسان فقال عليه الصلاة والسلام: " أن تعبد الله تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "، وقيل: الأظهر أن يقال: المراد وهو محسن في عقيدته، وهو مراد من قال: أي وهو موحد، وعلى هذا فالأولى أن يفسر إسلام الوجه لله تعالى بالانقياد إليه سبحانه بالأعمال، والجملة في موضع الحال من فاعل * (أسلم) *.
* (واتبع ملة إبراهيم) * الموافقة لدين الإسلام المتفق على صحتها، وهذا عطف على * (أسلم) * وقوله سبحانه: * (حنيفا) * أي مائلا عن الأديان الزائغة حال من * (إبراهيم) *. وجوز أن يكون حالا من فاعل * (اتبع) * * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * تذييل جيء به للترغيب في اتباع ملته عليه السلام، والإيذان بأنه نهاية في الحسن، وإظهار اسمه عليه السلام تفخيما له وتنصيصا على أنه الممدوح، ولا يجوز العطف خلافا لمن زعمه على * (ومن أحسن) * الخ سواء كان استطرادا أو اعتراضا، وتوكيدا لمعنى قوله تعالى: * (ومن يعمل من الصالحات) * (النساء: 124) وبيانا لأن الصالحات ما هي؟ وأن المؤمن من هو لفقد المناسبة، والجامع بين المعطوف والمعطوف عليه وأدائه ما يؤديه من التوكيد والبيان، ولا على صلة * (من) * لعدم صلوحه لها وعدم صحة عطفه على * (وهو محسن) * أظهر من أن يخفى، وجعل الجملة حالية بتقدير قد خلاف الظاهر، والعطف على * (حنيفا) * لا يصح إلا بتكلف، والخليل مشتق من الخلة بضم الخاء، وهي إما من الخلال بكسر الخاء فإنها مودة تتخلل النفس وتخالطها مخالطة معنوية، فالخليل من بلغت مودته هذه المرتبة كما قال:
قد (تخللت) مسلك الروح مني * ولذا سمي الخليل خليلا فإذا ما نطقت كنت حديثي * وإذا ما سكت كنت الغليلا وإما من الخلل كما قيل على معنى أن كلا من الخليلين يصلح خلل الآخر، وإما من الخل بالفتح، وهو الطريق
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»