تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٤٨
في الذنوب إلا أني لم أشرك بالله تعالى منذ عرفته وآمنت به ولم أتخذ من دونه وليا ولم (أوقع) المعاصي جراءة وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله تعالى هربا وإني لنادم تائب، فما ترى حالي عند الله تعالى؟ " فنزلت.
* (ومن يشرك بالله) * شيئا من الشرك، أو أحدا من الخلق، وفي معنى الشرك به تعالى نفي الصانع، ولا يبعد أن يكون من أفراده * (فقد ضل ضل‍الا بعيدا) * عن الحق، أو عن الوقوع ممن له أدنى عقل، وإنما جعل الجزاء على ما قيل هنا * (فقد ضل) * الخ، وفيما تقدم * (فقد افترى إثما عظيما) * (النساء: 48) لما أن تلك كانت في أهل الكتاب وهم مطلعون من كتبهم على ما لا يشكون في صحته من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ووجوب اتباع شريعته وما يدعو إليه من الإيمان بالله تعالى ومع ذلك أشركوا وكفروا فصار ذلك افتراءا واختلافا وجراءة عظيمة على الله تعالى، وهذه الآية كانت في أناس لم يعلموا كتابا ولا عرفوا من قبل وحيا ولم يأتهم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق فأشركوا بالله عز وجل وكفروا وضلوا مع وضوح الحجة وسطوع البرهان فكان ضلالهم بعيدا، ولذلك جاء بعد تلك * (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) * (النساء: 49) وقوله سبحانه: * (أنظر كيف يفترون على الله الكذب) * (النساء: 50) وجاء بعد هذه [بم قوله تعالى:
* (إن يدعون من دونه إلا إن‍اثا وإن يدعون إلا شيط‍انا مريدا) *.
* (إن يدعون من دونه إلا إناثا) * أي ما يعبدون أو ما ينادون لحوائجهم من دون الله تعالى إلا أصناما، والجملة مبينة لوجه ما قبلها ولذا لم تعطف عليه، وعبر عن الأصنام بالإناق لما روي عن الحسن أنه كان لكل حي من أحياء العرب صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان لأنهم يجعلون عليه الحلي وأنواع الزينة كما يفعلون بالنسوان، أو لما أن أسماءها مؤنثة - كما قيل - وهم يسمون ما اسمه مؤنث أنثى كما في قوله: وما (ذكر فإن يكبر فأنثى) * شديد اللزم ليس له ضروس فإنه عنى القراد، وهو ما دام صغيرا يسمى قرادا فإذا كبر سمي حلمة كثمرة، واعترض بأن من الأصنام ما اسمه مذكر - كهبل وود وسواع وذي الخلصة - وكون ذلك باعتبار الغالب غير مسلم، وقيل: إنها جمادات وهي كثيرا ما تؤنث لمضاهاتها الإناث لانفعالها، ففي التعبير عنها بهذا الاسم تنبيه على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم حيث يدعون ما ينفعل ويدعون الفعال لما يريد، وقيل: المراد بالإناث الأموات، فقد أخرج ابن جرير وغيره عن الحسن أن الأنثى كل ميت ليس فيه روح مثل الخشبة اليابسة والحجر اليابس، ففي التعبير بذلك دون أصناما التنبيه السابق أيضا إلا أن الظاهر أن وصف الأصنام بكونهم أمواتا مجاز، وقيل: سماها الله تعالى إناثا لضعفها وقلة خيرها وعدم نصرها، وقيل: لاتضاع منزلتها وانحطاط قدرها بناءا على أن العرب تطلق الأنثى على كل ما اتضعت منزلته من أي جنس كان، وقيل: كان في كل صنم شيطانة تتراءى للسدنة وتكلمهم أحيانا فلذلك أخبر سبحانه أنهم ما يعبدون من دونه إلا أناثا؛ وروي ذلك عن أبي بن كعب، وقيل: المراد الملائكة لقولهم: الملائكة بنات الله عز اسمه، وروي ذلك عن الضحاك، وهو جمع أنثى - كرباب وربى - في لغة من كسر الراء. وقرىء - إلا أنثى - على التوحيد - وإلا أنثى - بضمتين كرسل، وهو إما صفة مفردة مثل امرأة جنب، وإما جمع أنيث كقليب وقلب، وقد جاء حديد أنيث، وإما جمع إناث كثمار وثمر، وقرىء - وثنا وأثنا - بالتخفيف والتثقيل، وتقديم الثاء على النون - جمع وثن - كقولك: أسد وأسد وأسد ووسد، وقلبت الواو ألفا كأجوه في وجوه. وأخرج ابن جرير أنه كان في مصحف عائشة رضي الله تعالى عنها - إلا أوثانا -.
* (وإن يدعون) * أي
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»