تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٤٧
ورده في " الكشف " بأنه تخصيص بما يأباه الشرط الأول، ثم إنه إذا كان مألوف الصائمين الاعتكاف مثلا تناول الأمر باتباعهم ذلك أيضا فكذلك يتناول ما هو مقتضى الإيمان فيما نحن فيه، فسبيل المؤمنين هنا عام على ما أشرنا إليه. واعترض بأن المعطوف عليه مقيد بتبين الهدى فيلزم في المعطوف ذلك فإذا لم يكن في الإجماع فائدة لأن الهدى عام لجميع الهداية، ومنها دليلا الإجماع وإذا حصل الدليل لم يكن للمدلول فائدة، وأجيب بمنع لزوم القيد في المعطوف، وعلى تقدير التسليم فالمراد بالهداية الدليل على التوحيد والنبوة، فتفيد الآية أن مخالفة المؤمنين بعد دليل التوحيد والنبوة حرام، فيكون الإجماع مفيدا في الفروع بعد تبين الأصول، وأوضح القاضي وجه الاستدلال بها على حجية الإجماع وحرمة مخالفته بأنه تعالى رتب فيها الوعيد الشديد على المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين، وذلك إما لحرمة كل واحد منهما أو أحدهما أو الجمع بينهما، والثاني باطل إذ يقبح أن يقال: من شرب الخمر وأكل الخبز استوجب الحد، وكذا الثالث لأن المشاقة محرمة ضم إليها غيرها أو لم يضم، وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرما كان اتباع سبيلهم واجبا لأن ترك اتباع سبيلهم ممن عرف سبيلهم اتباع غير سبيلهم.
فإن قيل: لا نسلم أن ترك اتباع سبيل المؤمنين يصدق عليه أنه اتباع لغير سبيل المؤمنين لأنه لا يمتنع أن لا يتبع سبيل المؤمنين ولا غير سبيل المؤمنين. أجيب بأن المتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير فإذا كان من شأن غير المؤمنين أن لا يقتدوا في أفعالهم بالمؤمنين فكل من لم يتبع من المؤمنين سبيل المؤمنين فقد أتى بفعل غير المؤمنين واقتفى أثرهم فوجب أن يكون متبعا لهم، وبعبارة أخرى إن ترك اتباع سبيل المؤمنين اتباع لغير سبيل المؤمنين لأن المكلف لا يخلو من اتباع سبيل ألبتة، واعترض أيضا بأن هذا الدليل غير قاطع لأن * (غير سبيل المؤمنين) * يحتمل وجوها من التخصيص لجواز أن يراد سبيلهم في متابعة الرسول أو في مناصرته أو في الاقتداء به عليه الصلاة والسلام أو فيما صاروا به مؤمنين، وإذا قام الاحتمال كان غايته الظهور، والتمسك بالظاهر إنما يثبت بالإجماع ولولاه لوجب العمل بالدلائل المانعة من اتباع الظن فيكون إثباتا للإجماع بما لا يثبت حجيته إلا به فيصير دورا، واستصعب التفصي عنه، وقد ذكره ابن الحاجب في " المختصر "، وقريب منه قول الاصفهاني في اتباع سبيلهم لما احتمل ما ذكر وغيره صار عاما، ودلالته على فرد من أفراده غير قطعية لاحتمال تخصيصه بما يخرجه مع ما فيه من الدور، وأجاب عن الدور بأنه إنما يلزم لو لم يقم عليه دليل آخر، وعليه دليل آخر، وهو أنه مظنون يلزم العمل به لأنا إن لم نعمل به وحده فإما أن نعمل به وبمقابله أو لا نعمل بهما، أو نعمل بمقابله، وعلى الأول يلزم الجمع بين النقيضين، وعلى الثاني ارتفاعهما، وعلى الثالث العمل بالمرجوح مع وجود الراجح والكل باطل، فيلزم العمل به قطعا، واعترض أيضا بمنع حرمة اتباع غير سبيل المؤمنين مطلقا بل بشرط المشاقة، وأجاب عنه القوم بما لا يخلو عن ضعف وبأن الاستدلال يتوقف على تخصيص المؤمنين بأهل الحل والعقد في كل عصر، والقرينة عليه غير ظاهرة، وبأمور أخر ذكرها الآمدي والتلمساني وغيرهما، وأجابوا عما أجابوا عنه منها، وبالجملة لا يكاد يسلم هذا الاستدلال من قيل وقال، وليست حجية الإجماع موقوفة على ذلك كما لا يخفى.
* (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذالك لمن يشاء) * قد مر تفسيره فيما سبق وكرر للتأكيد، وخص هذا الموضع به ليكون كالتكميل لقصة من سبق بذكر الوعد بعد ذكر الوعيد في ضمن الآيات السابقة فلا يضر بعد العهد، أو لأن للآية سببا آخر في النزول، فقد أخرج الثعلبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما " أن شيخا من العرب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إني شيخ منهمك
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»