تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٠٠
* (إذا) * مراعاة لحكاية الحال الماضية، ومعنى ذلك أن تقدر نفسك كأنك موجود في ذلك الزمان الماضي أو تقدر ذلك الزمان كأنه موجود الآن وهذا كقولك: قالوا ذلك حين يضربون والمعنى حين ضربوا إلا أنك جئت بلفظ المضارع استحضارا لصورة ضربهم في الأرض، واعترض بوجهين: الأول: أن حكاية الحال إنما تكون حيث يؤتى بصيغة الحال وهذه صيغة استقبال لأن معنى * (إذا ضربوا) * حين يضربون فيما يستقبل، الثاني: أن قولهم: لو كانوا عندنا إنما هو بعد موتهم فكيف يتقيد بالضرب في الأرض. وأجيب عن الأول: بأن * (إذا ضربوا) * في معنى الاستمرار كما في * (وإذا لقوا الذين آمنوا) * (البقرة: 14) فيفسد الاستحضار نظرا للحال، وعن الثاني: بأن * (قالوا لإخوانهم) * في موقع جزاء الشرط من جهة المعنى فيكون المعنى لا تكونوا كالذين كفروا، وإذا ضرب إخوانهم فماتوا أو كانوا غزا فقتلوا قالوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فالضرب والقتل كلاهما في معنى الاستقبال، وتقييد القول بالضرب إنما هو باعتبار الجزء الأخير وهو الموت، والقتل فإنه وإن لم يذكر لفظا لدلالة ما في القول عليه فهو مراد معنى والمعتبر المقارنة عرفا كما في قوله تعالى: * (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * (البقرة: 198) وكقولك إذا طلع هلال المحرم: أتيتك في منتصفه. وقال الزجاج: * (إذا) * هنا تنوب عما مضى من الزمان وما يستقبل يعني أنها لمجرد الوقت أو لقصد الاستمرار والذي يقتضيه النظر الصائب أن لا يجعل * (إذا ضربوا) * ظرفا لقالوا بل ظرف لما يحصل للأخوان حين يقال لأجلهم وفي حقهم ذلك كأنه قيل: قالوا لأجل الأحوال العارضة للأخوان إذا ضربوا بمعنى حين كانوا يضربون قاله العلامة الثاني، وأنت تعلم أن تجريد * (إذا) * عن معنى الاستقبال وجعلها بمعنى الوقت مطلقا كاف في توجيه الآية مزيل لإشكالها، وقصد الاستمرار منها لا يدفع الاعتراض عن ذلك التوجيه لأنها إذا كانت للاستمرار تشمل الماضي فلا تكون لحكاية الحال وكذا إذا كان قالوا جوابا إذ يصير مستقبلا فلا تتأتى فيه الحكاية المذكورة أيضا ويرد على ما اقتضاه النظر الصائب أن دون إثبات صحة مثله في العربية خرط القتاد، وأقعد منه - وإن كان بعيدا - ما قاله أبو حيان من أنه " يمكن إقرار * (إذا) * على (ما استقر لها من) الاستقبال بأن يقدر العامل فيها مضاف مستقبل (محذوف) على أن ضمير * (لو كانوا) * عائدا على إخوانهم لفظا (لا) معنى على حد عندي درهم ونصفه، والتقدير وقالوا مخافة هلاك إخوانهم إذا ضربوا أو كانوا غزا لو كانوا أي إخواننا الآخرون الذين تقدم موتهم وقتلهم عندنا ما ماتوا وما قتلوا فتكون هذه المقالة تثبيطا لإخوانهم الباقين عن السفر والغزو لئلا يصيبهم ما أصاب الأولين " وإنما لم يحملوا * (إذا) * هنا على الحال كما قيل بحملها عليه بعد القسم نحو * (والليل إذا يغشى) * (الليل: 1) لتصفو لهم دعوى حكاية الحال عن الكدر لأن ذلك غير مسلم عند المحققين هناك فقد صححوا فيه بقاءها على الاستقبال من غير محذور، وجوز في الآية كون قالوا بمعنى يقولون؛ وقد جاء في كلامهم استعمال الماضي بمعنى المستقبل ومنه قوله: وإني لآتيكم تشكر ما مضى * من الأمر واستيجاب ما كان في غد وكذا جوز بقاؤه على معناه وحمل * (إذا) * على الماضي فإنها تجىء له كما جاءت إذ للمستقبل في قول البعض وذلك كقوله تعالى: * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) * (الجمعة: 11)، وقوله:
وندمان يزيد الكاس طيبا * سقيت إذا تغورت النجوم وحينئذ لا منافاة بين زماني القيد والمقيد فتدبر ذلك كله.
والجملة المعينة لوجه الشبه والمماثلة التي نهوا عنها هي الجملة المعطوفة على جملة الصلة والمعنى لا تتشبهوا بالكفار في قولهم لإخوانهم إذا سافروا * (أو كانوا غزى) *
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»