تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٩٥
الحاضرون منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم على صورة الاسترشاد: هل لنا من أمر الله تعالى ووعده بالنصر شيء، واختاره بعض المحققين. والجملة قيل: إما حال أو خبر إثر خبر أو صفة إثر صفة أو مستأنفة مبينة لما قبلها، أو بدل من * (يظنون) * وهو بدل الكل بحسب الصدق، وبدل الاشتمال بحسب المفهوم، واستشكل بأن قوله: * (يقولون هل لنا) * الخ تفسير * (ليظنون) * وترجمة له والاستفهام لا يكون ترجمة للخبر كما لا يصح أن تقول: أخبرني زيد قال: لا تذهب أو أمرني قال: لا تضرب، أو نهاني قال: اضرب فإن المطابقة بين الحكاية والمحكي واجبة. وحاصل الإشكال أن متعلق الظن النسبة التصديقية فكيف يقع استفهام ترجمة له؟ وأجيب بأن الاستفهام طلب علم فيما يشك ويظن فجاز أن يكون متعلق الظن وتحقيقه أن الظن أو العلم يتعلق بما يقال في جواب ذلك الاستفهام على ما ذكر في باب تعليق أفعال القلوب باستفهام، ولا يخفى أن هذا إنماهو على تقدير كون الاستفهام حقيقيا، وأما على تقدير كونه إنكاريا فلا إشكال، ولا قيل ولا قال لأنه خبر فيتطابق مع ما قبله في الخبرية، وبعض من جعله إنكاريا ذهب إلى أن المعنى إنا منعنا تدبير أنفسنا وتصريفها باختيارنا فلم يبق لنا من الأمر شيء، وقد قال ذلك عبد الله بن أبي حين أخبره المنافقون بقتل بني الخزرج ثم قال: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قيل: وظنهم السوء على هذا تصويبهم رأي عبد الله ومن تبعه، وقيل: الاستفهام على ظاهره والمعنى هل يزول عنا هذا القهر فيكون لنا من الأمر شيء، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر، و * (من) * الثانية سيف خطيب، و * (شيء) * في موضع رفع على الإبتداء، وفي خبره كما قال أبو البقاء: وجهان، أحدهما: * (لنا) * فمن الأمر حال، والثاني: * (من الأمر) * فلنا تبيين وبه تتم الفائدة.
* (قل) * يا محمد * (إن الأمر كله لله) * أي إن الشأن والغلبة الحقيقية لحزب الله تعالى، وأوليائه فينصر رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويخذل أعداءه ويقهرهم وكنى بكون الغلبة لله تعالى عن كونها لأوليائه لكونهم من الله سبحانه بمكان، أو أن القضاء أو التدبير له تعالى مخصوص به لا يشاركه فيه غيره فيفعل ما يشاء ويجري الأمور حسبما جرى به القلم في سابق القضاء، وعلى هذا لا كناية في الكلام، وجاء مؤكدا لما أن الكلام الذي وقع هو في مقابلته كذلك. واستظهر في " البحر " من هذا الأمر كون الاستفهام فيما تقدمه باقيا على حقيقته إذ لو كان معناه نفي أن يكون لهم شيء من الأمر لم يجابوا بإثبات أن الأمر كله لله اللهم إلا أن يقدر مع جملة النفي جملة ثبوتية ليكون المعنى - ليس لنا من الأمر شيء - بل لغيرنا ممن حملنا على الخروج وأكرهنا عليه فحينئذ يمكن أن يكون ذلك جوابا لهذا المقدر، وفيه أنه لا حاجة إلى هذا التقدير على ذلك التقدير أيضا أماإذا كان مرادهم نفي نصر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ومن معه فواضح لأن في هذا القول إثبات ذلك النصر على أتم وجه، وأما إذا كان مرادهم أنه لم يبق لهم من الأمر شيء حيث منعوا تدبير أنفسهم فلأن في ذلك النفي إشعارا بأن لهم تدبيرا وأنهم لو تركوا وتدبيرهم ما غمزت قناتهم وهذا الإثبات متكفل برد ذلك وإبطاله على وجه سترة عليه كما لا يخفى فلا أرى التقدير على ما فيه إلا من ضيق العطن، وقرأ أبو عمرو ويعقوب * (كله) * بالرفع على الابتداء والجار متعلق بمحذوف وقع خبرا له، والجملة خبر * (إن) *، وأما على قراءة النصب فكل توكيد لاسم * (إن) * و * (لله) * خبرها. وزعم أبو البقاء أنه يجوز أن يكون * (كله) * بدلا من * (الأمر) * وفيه بعد.
* (يخفون في أنفسهم) * أي يضمرون
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»