تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٩٨
عبر بذلك مع التعبير فيما قبل بالصدور للتفنن بناءا على أن المراد بالجمعين واحد.
* (والله عليم بذات الصدور) * أي بما في القلوب التي في الصدور من الضمائر الخفية ووصفت بذلك لأنها لتمكنها من الصدور جعلت كأنها مالكة لها فذات بمعنى صاحبة لا بمعنى ذات الشيء ونفسه، وفي الآية وعد ووعيد أو أحدهما فقط على الخلاف في الخطاب وفيها تنبيه على أن الله تعالى غني عن الابتلاء وإنما يبرز صورة الابتلاء لحكم يعلمها كتمرين المؤمنين أو إظهار حال المنافقين، واختار الصدور ههنا لأن الابتلاء الغني عنه سبحانه كان متعلقا بما فيها والتمحيص على المعنى الأول تصفية وتطهير وليس ذلك مما تشعر به هذه الجملة بأنه سبحانه غني عنه وإنما فعله لحكمة، نعم إذا أريد به الكشف والتمييز يصح أن يقال: إن هذه الجملة مشعرة بأنه تعالى غني أيضا. ومن هنا جوز بعض المحققين كونها حالا من متعلق الفعلين أي فعل ما فعل للابتلاء والكشف، والحال أنه تعالى غني عنهما محيط بخفيات الأمور إلا أنه لا يظهر حينئذ سر التعبير عن الأسرار والخفيات بذات الصدور دون ذات القلوب مع أن التعبير الثاني أولى بها لأن القلوب محلها بلا واسطة ومحلية الصدور لها بحسب الظاهر بواسطة القلوب اللهم إلا أن يقال: إن ذات الصدور بمعنى الأشياء التي لا تكاد تفارق الصدور لكونها حالة فيها بل تلازمها وتصاحبها أشمل من ذات القلوب لصدق الأولى على الأسرار التي في القلوب وعلى القلوب أنفسها لأن كلا من هذين الأمرين ملازم للصدور باعتبار كونه حالا فيها دون الثانية لأنك لا تصدق إلا على الأسرار لأنها الحالة فيها دون الصدور فحينئذ يمكن أن يراد من ذات الصدور هذا المعنى الشامل ويكون التعبير بها لذلك.
* (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم) *.
* (إن الذين تولوا) * الدبر عن المشركين بأحد * (منكم) * أيها المسلمون، أو إن الذين هربوا منكم إلى المدينة * (يوم التقى الجمعان) * وهما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمع أبي سفيان. * (إنما استزلهم الشيطان) * أي طلب منهم الزلل ودعاهم إليه * (ببعض ما كسبوا) * من ذنوبهم يعني إن الذين تولوا كان السبب في توليتهم أنهم كانوا أطاعوا الشيطان فاقترفوا ذنوبا فمنعوا من التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا، وعلى هذا لا يكون الزلل هو التولي بل الذنوب المفضية إليه، وجوز أن يكون الزلل الذي أوقعهم الشيطان فيه ودعاهم إليه هو التولي نفسه، وحينئذ يراد ببعض ما كسبوا إما الذنوب السابقة - ومعنى السببية - انجرارها إليه لأن الذنب يجر الذنب كما أن الطاعة تجر الطاعة، وإما قبول مازين لهم الشيطان من الهزيمة وهو المروي عن الحسن، وإما مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم بالثبات في المركز فجرهم ذلك إلى الهزيمة، وإما الذنوب السابقة لا بطريق الانجرار بل لكراهة الجهاد معها فقد قال الزجاج: إن الشيطان ذكرهم خطايا لهم كرهوا لقاء الله تعالى معها فأخروا الجهاد وتولوا حتى يصلحوا أمرهم ويجاهدوا على حال مرضية، والتركيب على الوجهين من باب تحقيق الخبر كقوله:
إن التي ضربت بيتا مهاجرة * بكوفة الجند غالت ودها غول وليس من باب أن الصفة علة للخبر كقوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم) * (لقمان: 8) لأن ببعض ما كسبوا يأباه ويحقق التحقيق، وهو أيضا من باب الترديد للتعليق كقوله:
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها * لو مسها حجر مسته سراء لأن إنما استزلهم الخ خبر إن وزيد - إن - للتوكيد وطول الكلام، و - ما - لتكفها عن العمل،
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»