تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٠٢
لم يقصروا في المضارة والمضادة بل فعلوا كيت وكيت وقالوا كذا وكذا، ومن هذا يعلم ما في تلك المقدرات، وعلى كل من الأوجه الثلاثة يكون الضمير المجرور في قلوبهم عائدا إلى الكافرين، وذكر القلوب مع أن الحسرة لا تكون إلا فيها لإرادة التمكن والإيذان بعدم الزوال. وجوز ابن تمجيد رجوع الضمير إلى المؤمنين واللام متعلقة - بقالوا - حينئذ لا غير، ووجه الآية بما يقضي منه العجب.
* (وا الله يحيي ويميت) * رد لقولهم الباطل إثر بيان غائلته أي والله هو المؤثر الحقيقي في الحياة والممات وحده لا الإقامة أو السفر فإنه تعالى قد يحيي المسافر والغازي مع اقتحامهما موارد الحتوف ويميت المقيم والقاعد وإن كانا تحت ظلال النعيم، وليس المراد أنه تعالى يوجد الحياة والممات وإن كان هو الظاهر لأن الكلام ليس فيه ولا يحصل به الرد وإنما الكلام في إحداث ما يؤثرهما، وقيل: المراد أنه تعالى يحيي ويميت في السفر والحضر عند حضور الأجل ولا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر، ولا راد لما قضى ولا محيص عما قدر، وفيه منع المؤمنين عن التخلف في الجهاد لخشية القتل والواو للحال فلا يرد أنه لا يصح عطف الإخبار على الإنشاء.
* (والله بما تعملون بصير) * ترغيب في الطاعة وترهيب عن المعصية أو تهديد للمؤمنين على أن يماثلوا الكفار لأن رؤية الله تعالى كعلمه تستعمل في القرآن للمجازاة على المرئي كالمعلوم، والمؤمنون وإن لم يماثلوهم فيما ذكر لكن ندمهم على الخروج من المدينة يقتضيه، وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة - غير عاصم - يعملون بالياء، وضمير الجمع حينئذ للكفار، والعمل عام متناول للقول المذكور ولمنشئه الذي هو الاعتقاد الفاسد ولما ترتب على ذلك من الأعمال ولذلك تعرض لعنوان البصر لا لعنوان السمع؛ وإظهار الاسم الجليل لما مر غير مرة وكذا تقديم الظرف.
هذا ومن باب الإشارة: * (وكأين) * وكم * (من نبي) * مرتفع القدر جليل الشأن وهو في الأنفس الروح القدسية * (قاتل معه) * عدو الله تعالى أعني النفس الأمارة * (ربيون) * متخلقون بأخلاق الرب وهم القوى الروحانية * (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله) * وطريق الوصول إليه من تعب المجاهدات * (وما ضعفوا) * في طلب الحق * (وما استكانوا) * وما خضعوا للسوي * (والله يحب الصابرين) * (آل عمران: 146) على مقاساة الشدائد في جهاد النفس * (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا) * استر لنا وجوداتنا بإفاضة أنوار الوجود الحقيقي علينا * (وإسرافنا في أمرنا) * أي تجاوزنا حدود ظاهر الشريعة عند صدمات التجليات * (وثبت أقدامنا) * في مواطن حروب أنفسنا * (وانصرنا) * بتأييدك وإمدادك * (على القوم الكافرين) * (آل عمران: 147) الساترين لربوبيتك * (فآتاهم الله) * بسبب دعائهم بألسنة الاستعدادات والانقطاع إليه تعالى * (ثواب الدنيا) * وهو مرتبة توحيد الأفعال وتوحيد الصفات * (وحسن ثواب الآخرة) * وهو مقام توحيد الذات * (والله يحب المحسنين) * (آل عمران: 148) في الطلب الذين لا يلتفتون إلى الأغيار * (يا أيها الذين آمنوا) * الإيمان الحقيقي * (إن تطيعوا الذين كفروا) * وهم النفوس الكافرة وصفاتها * (يردوكم على أعقابكم) * إلى أسفل سافلين وهو سجين البهيمية * (فتنقلبوا) * ترجعوا القهقرى * (خاسرين) * (آل عمران: 149) أنفسكم * (بل الله مولاكم) * ناصركم * (وهو خير الناصرين) * (آل عمران: 150) لمن عول عليه وقطع نظره عمن سواه * (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) * أي الخوف * (بما أشركوا) * أي بسبب إشراكهم * (بالله ما لم ينزل به) * أي بوجوده * (سلطانا) * أي حجة إذ لا حجة على وجوده حتى ينزلها لتحقق عدمه بحسب ذاته، وجعل سبحانه إلقاء الرعب في قلوبهم مسببا عن شركهم
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»