تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٩٦
فيها أو يسرون فيما بينهم * (ما لا يبدون لك) * أي ما لا يستطيعون إظهاره لك، والجملة إما استئناف أو حال من ضمير * (يقولون) * وقوله سبحانه: * (قل إن الأمر كله لله) * اعتراض بين الحال وصاحبها أي يقولون ما يقولون مظهرين أنهم مسترشدون طالبون للنصر مبطنين الإنكار والتكذيب وهذا ظاهر على الاحتمال الثاني في الآية الأولى، والذاهب إلى حمل الاستفهام فيها على الإنكار يتعين عنده الاستئناف أو يجوز الخبرية ونحوها أيضا على ما مر، والجملة الجوابية اعتراضية في كل حال سوى احتمال الاستئنافية على الصحيح، وأما جعل هذه الجملة حالا من ضمير * (قل) * والرابط لك فلا يخفى حاله.
* (يقولون) * أي في أنفسهم أو خفية لبعضهم إذ لو كان القول جهارا لم يكونوا منافقين، والجملة إما بدل من * (يخفون) * أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله كأنه قيل: ما الذي أخفوه؟ فقيل ذلك، ورجحه بعض المحققين بأنه أكثر فائدة وبأن القول إذا حمل على ظاهره لم يتفاوت القولان لأن قولهم * (هل لنا) * للمؤمنين ليس في حال قولهم * (لو كان لنا) * لأصحابهم، وبدل الحال حال، وأنت تعلم أن هذا الأخير مبني على أن القول الأول كان للمؤمنين وقد علمت أنه غير متعين، وقيل: لأنه لا يجتمع قولان من متكلم واحد، وفيه أن زمان الحال المقارن ليس مبنيا على التضييق كما لا يخفى، ومن هنا علل بعض الفضلاء نفي المقارنة بترتب هذا على ما قبله وعدل عن هذا التعليل فان.
* (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ه‍اهنا) * على معنى لو كان لنا شيء من ذلك كما وعد محمد وادعى أن الأمر لله تعالى ولأوليائه * (ما قتلنا) * فكأن هذا في زعمهم رد لما أجيبوا به أولا، ويحتمل أن يكون المراد لو كان لنا اختيار وتدبير لم نبرح كما كان رأي ابن أبي وأتباعه، ومعنى * (ما قتلنا) * ما غلبنا لأن القائلين ليسوا ممن قتل لاستحالته، ويحتمل أن يكون الإسناد مجازيا بإسناد ما للبعض للكل، فالمعنى لو كان لنا شيء من ذلك ما قتل من قتل منا في هذه المعركة، ثم لا يخفى أن القول بالترتب يستدعي سبق نزول الآية الجوابية وسماعهم لها حتى يتأتى القول بزعم ردها بهذه الشبهة الفاسدة، والظاهر من الآثار عدم نزولها إذ ذاك، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن هذه الآية فقال: لما قتل من قتل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أتوا عبد الله بن أبي فقالوا له: ما ترى فقال: إنا والله ما نؤامر لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا. وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن جرير وخلق كثير عن الزبير رضي الله تعالى عنه قال: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علنيا أرسل الله تعالى علينا النوم فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم: * (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا) * فحفظتها منه، وفي ذلك أنزل الله تعالى * (ثم أنزل) * إلى * (ههنا) * وقد يقال: إن هذا القول منهم كالاستدلال على القول الأول وإن كلا القولين وقع منهم ابتداءا وقصه الله تعالى علينا رادا له وهذا ظاهر على تقدير أن يكون الاستفهام إنكاريا وأما على تقدير أن يكون حقيقيا ففيه خفاء فتأمل.
* (قل) * يا محمد في جواب ذلك * (لو كنتم) * أيها المنافقون * (في بيوتكم) * ومنازلكم بالمدينة ولم تخرجوا للقتال بجملتكم * (لبرز) * أي لخرج لسبب من الأسباب الداعية إلى البروز * (الذين كتب) * في اللوح المحفوظ أو قدر في سابق علم الله تعالى * (عليهم القتل) * في تلك المعركة * (إلى مضاجعهم) * أي مصارعهم التي علم الله تعالى وقدر قتلهم فيها وقتلوا هناك البتة فإن قضاء الله تعالى لا يرد
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»