تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٩٩
وأصل التركيب إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما تولوا لأن الشيطان استزلهم ببعض الخ فهو كقولك: إن الذي أكرمك إنما أكرمك لأنك تستحقه، وذكر بعض للإشارة إلى أن في كسبهم ما هو طاعة لا يوجب الاستزلال، أو لأن هذه العقوبة ليست بكل ما كسبوا لأن الكل يستدعي زيادة عليها لكنه تعالى من بالعفو عن كثير * (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) * (فاطر: 45).
* (ولقد عفا الله عنهم) *. أعاد سبحانه ذكر العفو تأكيدا لطمع المذنبين فيه ومنعا لهم عن اليأس وتحسينا للظنون بأتم وجه، وقد يقال: هذا تأسيس لا تأكيد فتذكر * (إن الله غفور) * للذنوب صغائرها وكبائرها * (حليم) * لا يعاجل بعقوبة المذنب، وقد جاءت هذه الجملة كالتعليل للعفو عن هؤلاء المتولين وكانوا أكثر القوم، فقد ذكر أبو القاسم البلخي أنه لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد إلا ثلاثة عشر نفسا خمسة من المهاجرين أبو بكر وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، والباقون من الأنصار رضي الله تعالى عنهم أجمعين؛ ومن مشاهير المنهزمين عثمان ورافع بن المعلى وخارجة بن زيد وأبو حذيفة بن عتبة والوليد بن عقبة وسعد وعقبة ابنا عثمان من الأنصار من بني زريق، وروي عن ابن عباس أن الآية نزلت في الثلاثة الأول، وعن غيره غير ذلك ولم يوجد في الآثار تصريح بأكثر من هؤلاء، ولعل الاقتصار عليهم لأنهم بالغوا في الفرار ولم يرجعوا إلا بعد مضي وقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أن منهم من لم يرجع إلا بعد ثلاث، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد ذهبتم بها عريضة، وأما سائر المنهزمين فقد اجتمعوا في ذلك اليوم على الجبل، وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان من هذا الصنف كما في خبر ابن جرير خلافا للشيعة وبفرض التسليم لا تعيير بعد عفو الله تعالى عن الجميع، ونحن لا ندعي العصمة في الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولا نشترطها في الخلافة.
* (ياأيها الذين ءامنوا لا تكونوا ك الذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا فى الارض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذالك حسرة فى قلوبهم والله يحيى ويميت والله بما تعملون بصير) *.
* (ياا أيها الذين ءامنوا لا تكونوا ك الذين كفروا) * وهم المنافقون كعبد الله بن أبي وأصحابه قاله السدي ومجاهد - وإنما ذكر في صدر الجملة كفرهم تصريحا بمباينة حالهم لحال المؤمنين وتنفيرا عن مماثلتهم وهم هم، وفيه دليل على أن الإيمان ليس عبارة عن مجرد الإقرار باللسان - كما يقوله الكرامية - وإلا لما سمي المنافق كافرا، وقيل: المراد بالذين كفروا سائر الكفار على العموم أي لا تكونوا كالكفرة في نفس الأمر * (وقالوا لإخوانهم) * في المذهب أو النسب، واللام تعليلية أي قالوا لأجلهم، وجعلها ابن الحاجب بمعنى عن، ولا يجوز أن يكون المراد مخاطبة الأخوان كما هو المتبادر لدلالة ما بعد على أنهم كانوا غائبين حين هذا القول، وقول بعضهم: يصح أن يكون جعل القول لإخوانهم باعتبار البعض الحاضرين والضرب الآتي لضرب آخر تكلف لا حاجة إليه سوى كثرة الفضول.
* (إذا ضربوا في الأرض) * أي سافروا فيها لتجارة، أو طلب معاش فماتوا - قاله السدي - وأصل الضرب إيقاع شيء على شيء، واستعمل في السير لما فيه من ضرب الأرض بالرجل، ثم صار حقيقة فيه، وقيل: أصل الضرب في الأرض الإبعاد في السير وهو ممنوع وخص الأرض بالذكر لأن أكثر أسفارهم كان في البر، وقيل: اكتفى بذكر الأرض مرادا بها البر عن ذكر البحر، وقيل: المراد من الأرض ما يشمل البر والبحر وليس بالبعيد، وجىء - بإذا - وحق الكلام إذ كما قالوا لقالوا الدال بهيئته على الزمان المنافي للزمان الدالة عليه
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»