إلى المدينة، وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد، قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله تعالى النصر؟ فأنزل الله تعالى الآية، و * (وعده) * مفعول ثان لصدق صريحا فإنه يتعدى إلى مفعولين في مثل هذا النحو، وقد يتعدى إلى الثاني بحرف الجر، فيقال: صدقت زيدا في الحديث، ومن هنا جوز بعضهم أن يكون نصبا بنزع الخافض؛ والمراد بهذا الوعد ما وعدهم سبحانه من النصر بقوله عز اسمه: * (إن تصبروا وتتقوا) * (آل عمران: 125) الخ وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال للرماة: " لا تبرحوا مكانكم فلن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم ".
وفي رواية أخرى: " لا تبرحوا عن هذا المكان فإنا لا نزال غالبين ما دمتم في هذا المكان " وأيد الأول بما أخرجه البيهقي في " الدلائل " عن عروة قال: كان الله تعالى وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وكان قد فعل فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا مصافهم وتركت الرماة عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم أن لا يبرحوا منازلهم وأرادوا الدنيا رفع الله تعالى مدد الملائكة، واختار مولانا شيخ الإسلام الثاني، وقد تقدم لك ما ينفعك هنا. والقول بأن المراد ما وعده جل شأنه بقوله سبحانه: * (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) * (آل عمران: 151) ليس بشيء كما لا يخفى، وأخرج الإمام أحمد وجماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما نصر الله تعالى نبيه في موطن كما نصره يوم أحد فأنكروا ذلك، فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله تعالى إن الله تعالى يقول يوم أحد: * (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم) * أي تقتلونهم وهو التفسير المأثور، واستشهد عليه الحبر بقوله عتبة الليثي: (نحسهم) بالبيض حتى كأننا * نفلق منهم بالجماجم حنظلا وبقوله: ومنا الذي لاقى بسيف محمد * (فحس) به الأعداء عرض العساكر وأصل معنى حسه أصاب حاسته بآفة فأبطلها مثل كبده ولذا عبر به عن القتل، ومنه جراد محسوس وهو الذي قتله البرد، وقيل: هو الذي مسته النار، وكثيرا ما يستعمل الحس بالقتل على سبيل الاستئصال، والظرف متعلق بصدقكم وجوز أبو البقاء أن يكون ظرفا للوعد * (بإذنه) * أي بتيسيره وتوفيقه، والتقييد به لتحقيق أن قتلهم بما وعدهم الله تعالى من النصر.
* (حتى إذا فشلتم) * أي فزعتم وجبنتم عن عدوكم. * (وتنازعتم في الأمر) * أي أمر الحرب أو أمره صلى الله عليه وسلم لكم في سد ذلك الثغر على ما تقدم تفسيره * (وعصيتم) * إذ لم تثبتوا هناك وملتم إلى الغنيمة * (من بعد مآ أرابكم ما تحبون) * من انهزام المشركين وغلبتكم عليهم. قال مجاهد: نصر الله تعالى المؤمنين على المشركين حتى ركب نساء المشركين على كل صعب وزلول ثم أديل عليهم المشركون بمعصيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وروي أن خالد بن الوليد أقبل بخيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير رضي الله تعالى عنه أن احمل عليه فحمل عليه فهزمه ومن معه فلما رأى الرماة ذلك انكفأوا إلا قليلا ودخلوا العسكر وخالفوا الأمر وأخلوا الخلة التي كانوا فيها فدخلت خيول المشركين من ذلك الموضع على الصحابة رضي الله تعالى عنهم فضرب بعضهم بعضا والتبسوا وقتل من المسلمين أناس كثير بسبب ذلك. * (منكم من يريد الدنيا) * وهم الرماة الذين طمعوا في النهب وفارقوا المركز له * (ومنكم من يريد الآخرة) * كعبد الله بن جبير أمير الرماة ومن ثبت معه ممتثلا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى