تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٠٤
وذلك لأنهم حينئذ ينقطعون إلى الحق ولا يظهر على كل منهم إلا ما في مكمن استعداده كما قيل: عند الامتحان يكرم الرجل أو يهان، والخطاب في كلا الموضعين للمؤمنين، وقيل: إن الخطاب الأول: للمنافقين، والثاني: للمؤمنين وأنه سبحانه إنما خص الصدور بالأولين لأن الصدر معدن الغل والوسوسة فهو أوفق بحال المنافقين، وخص القلوب بالآخرين لأن القلب مقر الإيمان والاطمئنان وهو أوفق بحال المؤمنين وأن نسبة الإسلام باللسان إلى الإيمان بالجنان كنسبة الصدر إلى القلب قيل: ولهذا قال سبحانه: * (والله عليم بذات الصدور) * (آل عمران: 154) بناءا على أن المراد به الترهيب والتحذير عن الاتصال بما لا يرضى من تلك الصفات التي يكون الصدر مكمنا لها * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان) * جمع الروح وقواها وجمع النفس وقواها * (إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) * من الذنوب لأنها تورث الظلمة والشيطان لا مجال له على ابن آدم بالتزيين والوسوسة إلا إذا وجد ظلمة في القلب، ولك أن تبقي الجمعين على ظاهرهما وباقي الإشارة بحاله * (ولقد عفا الله عنهم) * حين استنارت قلوبهم بنور الندم والتوبة * (إن الله غفور حليم) * (آل عمران: 551) وبمقتضى ذلك ظهرت المخالفات وأردفت بالتوبة ليكون ذلك مرآة لظهور صفات الله تعالى. ومن هنا جاء " لو لم تذنبوا لأتى الله تعالى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ". وحكي أن إبراهيم بن أدهم رضي الله تعالى عنه أكثر ليلة في الطواف من قوله: اللهم اعصمني من الذنوب فسمع هاتفا من قلبه يقول يا إبراهيم أنت تسأله العصمة وكل عباده يسألونه العصمة فإذا عصمكم على من يتفضل وعلى من يتكرم * (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا) * برؤية الأغيار واعتقاد تأثير السوي، وقالوا لأجل إخوانهم إذا ضربوا في الأرض إذا فارقوهم بترك ما هم عليه وسافروا في أرض نفوسهم وسلكوا سبيل الرشاد * (أو كانوا غزا) * أي مجاهدين مع أعدى أعدائهم وهي نفوسهم التي بين جنوبهم وقواها وجنودها من الهوى والشيطان * (لو كانوا) * مقيمين * (عندنا) * موافقين لنا * (ما ماتوا) * بمقاساة الرياضة * (وما قتلوا) * بسيف المجاهدة، ولاستراحوا من هذا النصب * (ليجعل الله ذلك) * أي عدم الكون مثلهم * (حسرة) * يوم القيامة * (في قلوبهم) * حين يرون ما أعد الله تعالى لكم * (والله يحيي) * من يشاء بالحياة الأبدية * (ويميت) * من يشاء بموت الجهل والبعد عن الحضرة * (والله بما تعملون بصير) * (آل عمران: 156) تحذير عن الميل إلى قول المنكرين واعتقادهم.
* (ولئن قتلتم) * أيها المؤمنون * (في سبيل الله) * أي في الجهاد * (أو متم) * حتف الأنف وأنتم متلبسون به فعلا أو نية. * (لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) * أي الكفار من منافع الدنيا ولذاتها مدة أعمارهم وهذا ترغيب للمؤمنين في الجهاد وأنه مما يجب أن يتنافس فيه المتنافسون، وفيه تعزية لهم وتسلية مما أصابهم في سبيل الله تعالى إثر إبطال ما عسى أن يثبطهم عن إعلاء كلمة الله تعالى، واللام الأولى: هي موطئة للقسم، والثانية: واقعة في جواب القسم، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ووفائه بمعناه - ومغفرة - مبتدأ و * (من) * متعلقة بمحذوف وقع صفة لها ووصفت بذلك إظهارا للاعتناء بها، ورمزا إلى تحقق وقوعها، وذهب غير واحد إلى تقدير صفة أخرى أي لمغفرة لكم من الله، وحذفت صفة * (رحمة) * لدلالة المذكور عليها والتنوين فيهما للتقليل ولا ينافي ذلك ما يشير إليه الوصف، وثبوت أصل الخيرية لما يجمعه الكفار كما يقتضيه أفعل التفضيل إما بناءا على أن الذي يجمعونه في الدنيا قد يكون من الحلال الذي يعد خيرا في نفس الأمر. وإما أن ذلك وارد
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»