تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١١٠
هذه الرواية - ولا أظن الخبر إلا موضوعا، ويزيده بعدا بل لا يكاد يجوزه قوله تعالى:
* (ومن يغلل يأت بما غل يوم ا القيامة) * وهو جملة شرطية مستأنفة لا محل لها من الإعراب، و - ما - موصولة والعائد محذوف أي بالذي غله، وجوز أن تكون حالا ويكون التقدير في حال علم الغال بعقوبة الغلول، وظاهر الآثار يدل على أن الإتيان على ظاهره، فقد أخرج الشيخان، والبيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال: ألا لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله تعالى شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله تعالى شيئا قد أبلغتك " والأخبار بهذا المعنى كثيرة ولعل السر في ذلك أن يفضح به على رؤوس الأشهاد زيادة في عقوبته، وإلى هذا ذهب الجبائي، ولا مانع من ذلك عقلا.
والاستبعاد غير مفيد وقد وقع ما يشعر بالاستبعاد قديما فقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن رجلا قال له: أرأيت قول الله تعالى: * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) * هذا يغل ألف درهم وألفي درهم يأتي بها أرأيت من يغل مائة بعير أو مائتي بعير كيف يصنع بها؟! قال: أريت من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل ورقان وساقه مثل بيضاء ومجلسه ما بين الربذة إلى المدينة ألا يحمل مثل هذا، وورد في بعض الأخبار أن الإتيان بالغلول من النار فحينئذ يكون في الآية حذف أي يأت بما غل من النار، فقد أخرج ابن مردويه والبيهقي عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحجر ليزن سبع خلفات فيلقى في جهنم فيهوي فيها سبعين خريفا ويؤتى بالغلول فيلقى معه ثم يكلف صاحبه أن يأتي به وهو قول الله عز وجل: * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) *.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال لو كنت مستحلا من الغلول القليل لاستحللت منه الكثير ما من أحد يغل إلا كلف أن يأتي به من أسفل درك جهنم، وقيل: الإتيان به مجاز عن الإتيان بإثمه تعبيرا بما عمل عما لزمه من الإثم أي يأت بما احتمل من وباله وإثمه - واختاره البلخي - وقال: يجوز أن يكون ما تضمنته الأخبار جاء على وجه المثل كأن الله تعالى إذ فضح الغال وعاقبه العقوبة الشديدة جرى مجرى أن يكون آتيا به وحاملا له وله صوت، ولا يخفى أن جواب أبي هريرة للرجل يأبى هذا التأويل. وقيل: إن المعاني تظهر في صور جسمانية يوم القيامة كما يؤذن بذلك خبر مجىء الموت في صورة كبش وتلقى القرآن صاحبه في صورة الرجل الشاحب حين ينشق عنه القبر إلى غير ذلك.
وقد ذكر غير واحد أنه لا يبعد ظهور الأعمال من الطاعات والمعاصي بصور تناسبها فحينئذ يمكن أن يقال: إن معصية كل غال تظهر يوم القيامة في صورة غلوله فيأتي بها هناك، وعليه تكون الأخبار على ظاهرها من غير حاجة إلى ارتكاب التمثيل، وجواب أبي هريرة لا يأباه، وإلقاؤه في النار أيضا غير مشكل وأهل الظاهر لعلهم يقولون: إنه يلقى من غير تعذيب، وبتقديره لا محذور أيضا فيه لأن الله تعالى لا يجب عليه شيء، وقد ورد في بعض الأخبار أنه تعالى يخلق خلقا حين قول جهنم: * (هل من مزيد) * (ق: 30) فيضعهم فيها ومع هذا وتسليم صحة الخبر لا بد من القول باستثناء بعض الغلول عن الإلقاء إذ قد يكون الغلول مصحفا ولا أظن أحدا يتجاسر على القول بإلقائه.
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»