تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٨٧
إما للعهد ووضع الظاهر موضع المضمر إيذانا بأن ما حكى عنهم من باب الإحسان، وإما للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا وفيه على كلا التقديرين ترغيب للمؤمنين في تحصيل ما حكى من المناقب الجليلة.
* (ياأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا) * شروع في زجر المؤمنين عن متابعة الكفار ببيان مضارها إثر ترغيبهم في الاقتداء بأنصار الأنبياء عليهم السلام ببيان فضائله، وتصدير الخطاب بالنداء والتنبيه لإظهار الإعتناء بما في حيزه، ووصفهم بالإيمان لتذكيرهم بحال ينافي تلك الطاعة فيكون الزجر على أكمل وجه والمراد من الذين كفروا إما المنافقون لأن الآية نزلت - كما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه - حين قالوا للمؤمنين عند الهزيمة: ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم والتعبير عنهم بذلك قصدا إلى مزيد التنفير عنهم والتحذير عن طاعتهم، وإما أبو سفيان وأصحابه وحينئذ فالمراد بإطاعتهم الإستكانة لهم وطلب الأمان منهم وإلى ذلك ذهب السدي، وإما اليهود والنصارى فالمراد حينئذ لا تنتصحوا اليهود والنصارى على دينكم ولا تصدقوهم بشيء في ذلك، وإليه ذهب ابن جريج، وحكي أنهم كانوا يلقون إليهم الشبه في الدين ويقولون: لو كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا حقا لما غلب ولما أصابه وأصحابه ما أصابهم وإنما هو رجل حاله كحال غيره من الناس يوما عليه ويوما له فنهوا عن الإلتفات إليها، وإما سائر الكفار. وذهب إلى جواز ذلك بعض المتأخرين، وأتى بإن للإيذان بأن الإطاعة بعيدة الوقوع من المؤمنين.
* (يردوكم على أعقابكم) * أي يرجعوكم إلى أول أمركم وهو الشرك بالله تعالى والفعل جواب الشرط. وصح ذلك بناءا على المأثور عن علي كرم الله تعالى وجهه من أن الكلام معه في قوة * (إن تطيعوا الذين كفروا) * في قولهم: ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم يدخلوكم في دينهم، ويؤول إلى قولك: إن تدخلوا في دينهم تدخلوا في دينهم وفيه اتحاد الشرط والجزاء بناءا على أن الإرتداد على العقب علم في انتكاس الأمر ومثل في الحور بعد الكور، وقيل: إن المراد بالإطاعة الهم بها والتصميم عليها أي إن تصمموا على إطاعتهم في ذلك تردوا وترجعوا إلى ما كنتم عليه من الكفر وهذا أبلغ في الزجر إلا أنه بعيد عن اللفظ، وجوز أن تكون جوابيته باعتبار كونه تمهيدا لقوله تعالى: * (فتنقلبوا خاسرين) * أي فترجعوا خاسرين لخير الدنيا وسعادة الآخرة وذلك أعظم الخسران.
* (بل الله مولاكم وهو خير الناصرين) *.
* (بل الله مولاكم) * إضراب وترك للكلام الأول من غير إبطال والمعنى ليس الكفار أولياء فيطاعوا في شيء ولا ينصرونكم بل الله ناصركم لا غيره وهو مبتدأ وخبر، وقرىء بنصب الاسم الجليل على أنه مفعول لفعل محذوف، والمعنى فلا تطيعوهم بل أطيعوا الله مولاكم * (وهو خير الناصرين) * لأنه القوي الذي لا يغلب والناصر في الحقيقة فينبغي أن يخص بالطاعة والاستعانة، والجملة معطوفة على ما قلبها. وجوز على القراءة الشاذة الاستئناف والحالية.
* (سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بمآ أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين) *.
* (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) * كالبيان لما قبل، وعبر بنون العظمة على طريق الالتفات جريا على سنن الكبرياء لتربية المهابة، والسين لتأكيد الإلقاء، و (الرعب) بسكون العين الخوف والفزع أي سنقذف ذلك في قلوبهم، والمراد من الموصول أبو سفيان وأصحابه، فقد أخرج ابن جرير عن السدي قال: " لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق ثم إنهم ندموا فقالوا: بئس ما صنعتم إنكم قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»