تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٠٩
خلل الشجر، وسميت الخيانة غلولا لأنها تجري في الملك على خفاء من غير الوجه الذي يحل، ومن ذلك الغل للحقد والغليل لحرارة العطش والغلالة للشغار، والمراد تنزيه ساحة النبي صلى الله عليه وسلم على أبلغ وجه عما ظن به الرماة يوم أحد فقد حكى الواحدي عن الكلبي ومقاتل أن الرماة حين تركوا المركز يومئذ طلبا للغنيمة قالوا: نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم " ولهذا نزلت الآية، أو تنزيهه صلى الله عليه وسلم عما اتهمه به بعض المنافقين يوم بدر، فقد أخرج أبو داود والترمذي وابن جرير وحسناه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال: نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، والرواية الأولى: أوفق بالمقام، وارتباط الآية بما قبلها عليها أتم لأن القصة أحدية إلا أن فيها إشعارا بأن غنائم بدر لم تقسم وهو مخالف لما سيأتي في الأنفال وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه، والرواية الثانية: أولى بالقبول عند أرباب هذا الشأن، ويحتمل أن يكون المراد المبالغة في النهي عن الغلول، فقد أخرج ابن أبي شيبة في " المصنف " وابن جرير مرسلا عن الضحاك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع فغنم النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئا فلما قدمت الطلائع قالوا قسم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقسم لنا فأنزل الله تعالى الآية، فالمعنى ما كان لنبي أن يعطي قوما من العسكر ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بين الكل بالسوية، وعبر سبحانه عن حرمان بعض الغزاة بالغلول فطما عن هذا الفعل بالكلية، أو تعظيما لشأنه صلى الله عليه وسلم، وجعل بعضهم الكلام على هذا الاحتمال على حد * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 65) خوطب به صلى الله عليه وسلم وأريد غيره ممن يفعل مثل هذا بعد النهي عنه - ولا يخفى بعده - والصيغة على الاحتمال الأول: إخبار لفظا ومعنى لكنها لا تخلو عن رمز إلى نهي عن اعتقاد ذلك في تلك الحضرة المقدسة وعلى الاحتمال الأخير: خبر أجري مجرى الطلب، وقد وردت هذه الصيغة نهيا في مواضع من التنزيل كقوله تعالى: * (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) * (الأنفال: 67) و * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) * (التوبة: 113) (الأحزاب: 53) * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) * وكذا للامتناع العقلي كقوله تعالى: * (ما كان لله أن يتخذ من ولد) * (مريم: 35) و * (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) * (النحل: 60) وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب - أن يغل - على صيغة البناء للمفعول، وفي توجيهها ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون ماضيه أغللته أي نسبته إلى الغلول كما تقول أكفرته أي نسبته إلى الكفر قال الكميت: وطائفة قد (أكفرتني) بحبكم * وطائفة قالت مسىء ومذنب والمعنى ما صح لنبي أن ينسبه أحد إلى الغلول، وثانيها: أن يكون من أغللته إذا وجدته غالا كقولهم أحمدته وأبخلته وأجبنته بمعنى وجدته كذلك والمعنى ما صح لنبي أن يوجد غالا، وثالثها: أنه من غل إلى أن المعنى ما كان لنبي أن يغله غيره أو يخونه ويسرق من غنيمته، ولعل تخصيص النبي بذلك وإن كان لا يجوز أن يغل غيره من إمام أو أمير إما لعظم خيانته أو لأنه القائم بأمر الغنائم فإذا حرمت الخيانة عليه وهو صاحب الأمر فحرمتها على غيره أولى كذا قيل، وأنت تعلم أنه لا حاجة إلى توجيه التخصيص بما ذكر بعد الالتفات إلى سبب النزول والنظر إلى ما سيأتي بعد. ومن الناس من زعم أن الآية نزلت في أداء الوحي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن وفيه عيب دينهم وسب آلهتهم فسألوه أن يطوي ذلك فأنزل الله تعالى الآية، ولا يخفى أنه بعيد جدا - ولا أدري كيف سند
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»