مثله وهم على ما هم عليه، أو يقال: إن مسكم قرح فتسلوا فقد مس القوم قرح مثله، والمثلية باعتبار كثرة القتلى في الجملة فلا يرد أن المسلمين قتلوا من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين، وقتل المشركون من المسلمين يوم أحد خمسة وسبعين وجرحوا سبعين، والتزم بعضهم تفسير القرح بمجرد الانهزام دون تكثير القتلى فرارا من هذا الإيراد، وأبعد بعض في توجيه الآية وحملها على ما لا ينبغي أن يحمل عليه كلام الله تعالى فقال: الأوجه أن يقال: إن المراد إن يمسسكم قرح فلا تنهوا لأنه مس القوم أي الرجال قرح مثله والقرح للرجال لا للنساء فمن هو من زمرة الرجال ينبغي أن لا يعرض عما هو سمته بل ينبغي أن يسعى له، وبهذا يظهر بقاء وجه التعبير بالمضارع وأنه على ظاهره، وكذا يندفع ما قيل: إن قرح القوم لم يكن مثل قرحهم ولا يحتاج إلى ما تقدم من الجواب. وقيل: إن كلا المسين كان في أحد فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم قتلوا منهم نيفا وعشرين رجلا أحدهم صاحب لوائهم، وجرحوا عددا كثيرا وعقروا عامة خيلهم بالنبل، وقيل: إن ذلك القرح الذي مسهم أنهم رجعوا خائبين مع كثرتهم وغلبتهم بحفظ الله تعالى للمؤمنين.
* (وتلك الأيام) * اسم الإشارة مشار به إلى ما بعده كما في الضمائر المبهمة التي يفسرها ما بعدها نحو - ربه رجلا - ومثله يفيد التفخيم والتعظيم، والأيام بمعنى الأوقات لا الأيام العرفية، وتعريفها للعهد إشارة إلى أوقات الظفر والغلبة الجارية فيما بين الأمم الماضية والآتية، ويوما بدر وأحد داخلان فيها دخولا أوليا. * (نداولها بين الناس) * نصرفها بينهم فنديل لهؤلاء مرة ولهؤلاء أخرى كما وقع ذلك يوم بدر ويوم أحد، والمداولة نقل الشيء من واحد إلى آخر، يقال: تداولته الأيدي إذا انتقل من واحد إلى واحد، و * (الناس) * عام، وفسره ابن سيرين بالأمراء، واسم الإشارة مبتدأ، والأيام خبره، و * (نداولها) * في موضع الحال، والعامل فيها معنى الإشارة أو خبر بعد خبر، ويجوز أن تكون الأيام صفة أو بدلا أو عطف بيان، و * (نداولها) * هو الخبر، و * (بين الناس) * ظرف لنداولها، وجوز أن يكون حالا من الهاء، وصيغة المضارع الدالة على التجدد والاستمرار للإعلام بأن تلك المداولة سنة مسلوكة فيما بين الأمم قاطبة إلى أن يأتي أمر الله تعالى ومن كلامهم: الأيام دول والحرب سجال، وفي هذا ضرب من التسلية للمؤمنين، وقرىء - يداولها -.
* (وليعلم الله الذين ءامنوا) * تعليل لما هو فرد من أفراد مطلق المداولة المشار إليها فيما قبل، وهي المداولة المعهودة الجارية بين فريقي المؤمنين والكافرين، واللام متعلقة بما دل عليه المطلق من الفعل المقيد بالوقوع بين الفريقين المذكورين؛ أو بنفس الفعل المطلق باعتبار وقوعه بينهما، والجملة معطوفة على علة أخرى لها معتبرة إما على الخصوص والتعيين (محذوفة) للدلالة المذكورة عليها كأنه قيل: نداولها بينكم وبين عدوكم ليظهر أمركم وليعلم، وإما على العموم والإبهام للتنبيه على أن العلل غير منحصرة فيما عد من الأمور، وأن العبد يسوؤه ما يجري عليه ولا يشعر بما لله في طيه من الألطاف، كأنه قيل: نجعلها دولا بينكم لتكون حكما وفوائد جمة وليعلم الخ، وفيه من تأكيد التسلية ما لا يخفى، وتخصيص البيان بعلة هذا الفرد من مطلق المداولة دون سائر أفرادها الجارية بين بقية الأمم تعيينا أو إبهاما لعدم تعلق الغرض العلمي ببيانها، ولك أن تجعل المحذوف المبهم عبارة عن علل سائر أفرادها للإشارة إجمالا إلى أن كل فرد من أفرادها له علة داعية في الظاهر إليه كأنه قيل: