تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٧٣
ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما قال هؤلاء - يعني المسلمين - وأبرأ إليك عما قال هؤلاء - يعني المنافقين - ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه. وروي أن أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك قال: " عرفت عينيه تحت المغفر تزهران فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلي أن اسكت فانحازت إليه طائفة من أصحابه رضي الله تعالى عنهم فلامهم النبي صلى الله عليه وسلم على الفرار فقالوا: يا رسول الله فديناك بآبائنا وأبنائنا أتانا الخبر بأنك قتلت فرعبت قلوبنا فولينا مدبرين " فأنزل الله تعالى هذه الآية. ومحمد علم لنبينا صلى الله عليه وسلم منقول من اسم المفعول من حمد المضاعف لغة سماه به جده عبد المطلب لسابع ولادته لموت أبيه قبلها ولما سئل عن ذلك قال لرؤية رآها: رجوت أن يحمد في السماء والأرض، ومعناه قبل النقل من يحمد كثيرا وضده المذمم، وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ألم تروا كيف صرف الله تعالى عني لعن قريش وشتمهم يشتمون مذمما وأنا محمد ". وقد جمع هذا الاسم الكريم من الأسرار ما لا يحصى حتى قيل: إنه يشير إلى عدة الأنبياء كإشارته إلى المرسلين منهم عليهم الصلاة والسلام وعبر عنه صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم هنا لأنه أول أسمائه وأشهرها وبه صرخ الصارخ، وهو مرفوع على الابتداء وخبره ما بعد إلا ولا عمل - لما - بالاتفاق لانتقاض نفيه بإلا، واختلفوا في القصر هل هو قصر قلب أم قصر إفراد؟ فذهب العلامة الطيبي وجماعة إلى أنه قصر قلب لأنه جعل المخاطبون بسبب ما صدر عنهم من النكوص على أعقابهم عند الإرجاف بقتل النبي صلى الله عليه وسلم كأنهم اعتقدوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس حكمه حكم سائر الرسل المتقدمة في وجوب اتباع دينهم بعد موتهم بل حكمه على خلاف حكمهم فأنكر الله تعالى عليهم ذلك وبين أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم حكم من سبق من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين في أنهم ماتوا وبقي أتباعهم متمسكين بدينهم ثابتين عليه فتكون جملة * (قد خلت) * الخ صفة لرسول منبئة عن كونه صلى الله عليه وسلم في شرف الخلو فإن خلو مشاركيه في منصب الرسالة من شواهد خلوه لا محالة كأنه قيل: قد خلت من قبله أمثاله فسيخلو كما خلوا، والقصر منصب على هذه الصفة فلا يرد أنه يلزم من قصر القلب أن يكون المخاطبون منكرين للرسالة لأن ذلك ناشىء من الذهول عن الوصف، وقيل: الجملة في موضع الحال من الضمير في * (رسول) * والانصباب هو الانصباب.
وذهب صاحب " المفتاح " إلى أنه قصر إفراد إخراجا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيل استعظامهم عدم بقائه صلى الله عليه وسلم منزلة استبعادهم إياه وإنكارهم له حتى كأنهم اعتقدوا فيه وصفين الرسالة والبعد عن الهلاك فقصر على الرسالة نفيا للبعد عن الهلاك، واعترض بأنه يتعين على هذا جعل جملة * (قد خلت مستأنفة لبيان أنه صلى الله عليه وسلم ليس بعيدا عن عدم البقاء كسائر الرسل إذ على اعتبار الوصف لا يكون إلا قصر قلب لانصباب القصر عليه، وكون الجملة مستأنفة بعيد لمخالفته القاعدة في الجمل بعد النكرات، وأجيب بأن ذلك ليس بمتعين لجواز أن تكون صفة أيضا مؤكدة لمعنى القصر متأخرة عنه في التقدير، وقرأ ابن عباس - رسل - بالتنكير.
* (أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعق‍ابكم) * الهمزة للإنكار والفاء استئنافية أو لمجرد التعقيب، والانقلاب على الأعقاب في الأصل الرجوع القهقرى، وأريد به الارتداد والرجوع إلى ما كانوا عليه من الكفر في المشهور، والغرض إنكار ارتدادهم عن الدين بخلوه صلى الله عليه وسلم بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»