السبع والأرضون السبع، فعن ابن عباس من طريق السدي أنه قال: تقرن السموات السبع والأرضون السبع كما تقرن الثياب بعضها ببعض فذاك عرض الجنة، والأكثرون على أنها فوق السموات السبع تحت العرش وهو المروي عن أنس بن مالك، وقيل: إنها في السماء الرابعة وإليه ذهب جماعة، وقيل: إنها خارجة عن هذا العالم حيث شاء الله تعالى، ومعنى كونها في السماء أنها في جهة العلو ولا مانع عندنا أن يخلق الله تعالى في العلو أمثال السموات والأرض بأضعاف مضاعفة ولا ينافي هذا خبر أنها في السماء الرابعة إن صح، ولا ما حكي عن الأكثر لأن ذلك مثل قولك: في الدار بستان إذا كان له باب منها يشرع إليه مثلا فإنه لا ينافي خروج البستان عنها، وعلى هذا التأويل لا ينافي الخبر أيضا كون عرض الجنة كعرض السموات والأرض من غير حاجة إلى القول بأنه ليس المراد من السموات السموات السبع كما قيل به.
ومن الناس من ذهب إلى أنها في السماء تحت العرش أو الرابعة إلا أن هذا العرض إنما يكون يوم القيامة حيث يزيد الله تعالى فيها ما يزيد. وحكي ذلك عن أبي بكر أحمد بن علي قيل: وبذلك يدفع السؤال بأنه إذا كان عرض الجنة كعرض السموات والأرض فأين تكون النار؟ ووجه الدفع أن ذلك يوم القيامة، وأما الآن فهي دون ذلك بكثير، ويوم يثبت لها ذلك لا تكون فيه السموات والأرض كهذه السموات والأرض المشبه بعرضهما عرضها، ولا يخفى أن القول بالزيادة في السعة يوم القيامة وإن سلم إلا أن كونها اليوم دون هذه السموات والأرض بكثير في حيز المنع ولا يكاد يقبل، والسؤال المذكور أجاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير ذلك. فقد أخرج ابن جرير عن التنوخي رسول هرقل قال: " قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل وفيه: إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار؟ ولعل المقصود من الجواب إسقاط المسألة وبيان أن القادر على أن يذهب الليل حيث شاء قادر على أن يخلق النار حيث شاء، وإلى ذلك يشير خبر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وذهب أبو مسلم الأصفهاني إلى أن العرض ههنا ليس مقابل الطول بل هو من قولك عرضت المتاع للبيع، والمعنى أن ثمنها لو بيعت كثمن السموات والأرض، والمراد بذلك عظم مقدارها وجلالة قدرها وأنه لا يساويها شيء وإن عظم، فالعرض بمعنى ما يعرض من الثمن في مقابلة المبيع وربما يستغنى على هذا عن تقدير ذلك المضاف، ولا يخفى أنه على ما فيه من البعد خلاف المأثور عن السلف الصالح من أن المراد وصفها بأنها واسعة.
* (أعدت للمتقين) * أي هيئت للمطيعين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإنما أضيفت إليهم للإيذان بأنهم المقصودون بالذات وإن دخول غيرهم كعصاة المؤمنين والأطفال والمجانين بطريق التبع وإذا حملت التقوى في غير هذا الموضع، وأما فيه فبعيد على التقوى عن الشرك لا ما يعمه وسائر المحرمات لم نستغن عن هذا القول أيضا لأن المجانين مثلا لا يتصفون بالتقوى حقيقة ولو كانت عن الشرك كما لا يخفى. وجوز أن يكون هناك جنات متفاوتة وأن هذه الجنة للمتقين الموصوفين بهذه الصفات لا يشاركهم فيها غيرهم لا بالذات ولا بالتبع ولعلها الفردوس المصرح بها في قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس " وفيه تأمل.
والآية ظاهرة في أن الجنة مخلوقة الآن كما يدل عليه الفعل الماضي، وجعله من باب * (ونفخ في الصور) * (الكهف: 99) خلاف الظاهر ولا داعي إليه كما بين في محله، ومثل ذلك * (أعدت) * (البقرة: 24) السابق في حق النار،