وإن نزلت في الجهاد خاصة لكنها عامة في جميع الأعمال.
* (وسنجزي الشاكرين) * يحتمل أنه أريد بهم المريدون للآخرة، ويحتمل أنه أريد بهم جنس الشاكرين وهم داخلون فيه دخولا أوليا. والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله ووعد بالمزيد عليه وفي تصديرها بالسين وإبهام الجزاء من التأكيد والدلالة على فخامة شأن الجزاء وكونه بحيث يضيق عنه نطاق البيان ما لا يخفى، وبذلك جبر اتحاد العبادتين في شأن الفريقين واتضح الفرق لذي عينين، وقرئت الأفعال الثلاثة بالياء.
هذا ومن باب الإشارة: * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) * إما إشارة إلى الأمر بالتوكل على الله تعالى في طلب الرزق والانقطاع إليه، أو رمز إلى الأمر بالإحسان إلى عباد الله المحتاجين من غير طلب نفع منهم، فقد ورد في بعض الآثار أن القرض أفضل من الصدقة، أو إيماء إلى عدم طلب الأجر على الأعمال بأن يفعلها محضا لإظهار العبودية * (واتقوا الله) * من أكل الربا * (لعلكم تفلحون) * (آل عمران: 130) أي تفوزون بالحق * (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) * (آل عمران: 131) أي اتقوني في النار لأن إحراقها وعذابها مني، وهذا سر عين الجمع قالوا: ويرجع في الحقيقة إلى تجلي القهر وهو بظاهره تخويف للعوام والتخويف الأول للخواص، وقليل ما هم * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) * وهي ستر أفعالكم التي هي حجابكم الأعظم عن رؤية الحق * (وجنة عرضها السموات والأرض) * وهي جنة توحيد الأفعال وهو توحيد عالم الملك، ولذا ذكر سبحانه السموات والأرض وذكر العرض دون الطول لأن الأفعال باعتبار السلسلة العرضية وهي توقف كل فعل على فعل آخر تنحصر في عالم الملك الذي تصل إليه أفهام الناس ويقدرونه، وأما باعتبار الطول فلا تنحصر فيه ولا يقدر قدرها إذ الفعل مظهر الوصف، والوصف مظهر الذات، والذات لا نهاية لها ولا حد * (وما قدروا الله حق قدره) * (الأنعام: 91) فالمحجوبون عن الذات والصفات لا يرون إلا هذه الجنة، وأما البارزون لله الواحد القهار فعرض جنتهم عين طولها ولا حد لطولها فلا يقدر قدرها طولا وعرضا * (أعدت للمتقين) * (آل عمران: 133) حجب أفعالهم وترك نسبة الأفعال إلى غير الحق جل جلاله، ويحتمل أنه سبحانه دعا خلقه على اختلاف مراتبهم إلى فعل ما يؤدي إلى المغفرة على اختلاف مراتبها فإن الذنب مختلف وذنب المعصوم قلة معرفته بربه بالنظر إلى عظمة جماله وجلاله في نفس الأمر. وفي الخبر عن سيد العارفين صلى الله عليه وسلم " سبحانك ما عرفناك حق معرفتك " فما عرفه العارفون من حيث هو وإنما عرفوه من حيث هم وفرق بين المعرفتين، ولهذا قيل: ما عرف الله تعالى إلا الله تعالى ودعاهم أيضا إلى ما يجرهم إلى الجنة، والخطاب بذلك إن كان للعارفين فهو دعاء إلى عين الجمع ليتجلى لهم بالوسائط لبقائهم في المعرفة وفي الحقيقة معرفته قربته وجنته مشاهدته، وفي حقيقة الحقيقة هي الذات الجامع التي لا يصل إليها الأغيار، ومن هنا قيل: ليس في الجنة إلا الله تعالى وإن كان الخطاب بالنظر إلى آحاد المؤمنين فالمراد بها أنواع التجليات الجمالية أو ظاهرها الذي أفصح به لسان الشريعة ودعاؤهم إليه من باب التربية وجلب النفوس البشرية التي لم تفطم بعد من رضع ثدي اللذائذ إلى ما يرغبها في كسب الكمالات الإنسانية والترقي إلى ذروة المعارج الإلهية الذين ينفقون نفائس نفوسهم لمولاهم في السراء والضراء في حالتي الجمال والجلال، ويحتمل أن يراد الذين لا تمنعهم الأحوال المتضادة عن الإنفاق فيما يرضي الله تعالى لصحة توكلهم عليه سبحانه برؤية جميع الأفعال منه * (والكاظمين الغيظ) * الذي يعرض للإنسان بحسب الطبيعة البشرية وكظمهم له قد يكون بالشد عليه بوكاء التسليم والرضا وذلك بالنظر لمن هو في مقام جنة الصفات، وأما من دونهم فكظمهم دون هذا الكظم،