تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٦٥
معنى المتقين للترغيب والترهيب ومزيد تصوير مقامات الأولياء ومراتبهم ليكون حثا لهم على الانخراط في سلكهم ولا بد من ذكر التائبين واستغفارهم وعدم الإصرار ليكون لطفا لهؤلاء وجميع الفوائد التي ذكرت في قوله سبحانه وتعالى: * (ومن يغفر الذنوب إلا الله) * (آل عمران: 135) تدخل في المعنى، فعلم من هذا أن دلالة * (ولم يصروا على ما فعلوا) * (آل عمران: 135) مهجورة لأن مقام التحريض والحث أخرج المصرين، والحاصل أن شرط دلالة المفهوم هنا منتف فلا يصح الاحتجاج بذلك للمعتزلة أصلا.
* (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا فى الارض فانظروا كيف كان ع‍اقبة المكذبين) *.
* (قد خلت) * أي مضت * (من قبلكم سنن) * أي وقائع في الأمم المكذبة أجراها الله تعالى حسب عادته، وقال المفضل: إن المراد بها الأمم، وقد جاءت السنة بمعنى الأمة في كلامهم، ومنه قوله: ما عاين الناس من فضل كفضلكم * ولا رأوا مثلكم في سالف السنن وقال عطاء: المراد بها الشرائع والأديان، فالمعنى قد مضت من قبلكم سنن وأديان نسخت، ولا يخفى أن الأول أنسب بالمقام لأن هذا إما مساق لحمل المكلفين أو آكلي الربا على فعل الطاعة أو على التوبة من المعصية أو على كليهما بنوع غير ما سبق - كما قيل - وإما عود إلى تفصيل بقية القصة بعد تمهيد مبادي الرشد والصلاح وترتيب مقدمات الفوز والفلاح على رأي، وذكر مضي الأديان ليس له كثير ارتباط بذلك، وإن زعم بعضهم أن فيه تثبيتا للمؤمنين على دين النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يهنوا بقول اليهود أن دين موسى عليه السلام لا ينسخ ولا يجوز النسخ على الله تعالى لأنه بداء وتحريضا لليهود وحثا على قبول دين الإسلام وإنذارا لهم من أن يقع عليهم مثل ما وقع على المكذبين وتقوية لقلوب المؤمنين بأنه سينصرهم على المكذبين، نعم إطلاق السنة على الشريعة أقرب من إطلاقها على الوقعة لأنها في الأصل الطريقة والعادة، ومنه قولهم: سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والجار والمجرور إما متعلق بخلت أو بمحذوف وقع حالا من * (سنن) * أي سنن كائنة من قبلكم.
* (فسيروا في الأرض) * أي بأقدامكم أو بأفهامكم * (فانظروا) * أي تأملوا. * (كيف كان ع‍اقبة المكذبين) * أي آخر أمرهم الذي أدى إليه تكذيبهم لأنبيائهم، والفاء للإيذان بسببية الخلو للسير والنظر أو الأمر بهما، وقيل: المعنى على الشرط أي إن شككتم فسيروا الخ، والخطاب على كل تقدير مساق للمؤمنين، وقال النقاش: للكفار - وفيه بعد - و * (كيف) * خبر مقدم - لكان - معلق لفعل النظر، والجملة في محل النصب بعد نزع الخافض لأن الأصل استعماله بالجار وتجريد الفعل عن تاء التأنيث لأن المرفوع مجازي التأنيث.
* (هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين) *.
الإشارة إما إلى القرآن - وهو المروي عن الحسن وقتادة - وخدش بأنه بعيد عن السياق وإما إلى ما لخص من أمر الكفار والمتقين والتائبين، وقوله سبحانه: * (قد خلت) * (آل عمران: 137) الآية اعتراض للبعث على الإيمان والتقوى والتوبة - كما قيل - ووجه الاعتراض لدفع الاعتراض بأن المعترضة مؤكدة للمعترض فيه وهنا ليس كذلك بأن تلك الآيات واردة على سبيل الترغيب والترهيب لآكلي الربا وهذه الآية دلت على الترهيب ومعناه راجع إلى الترغيب بحسب التضاد كما أن بعض الآيات الواردة في الرحمن للوعيد تعد من الآلاء بحسب الزجر عن المعاصي فيتأتى التوكيد دون نقص، واعترض عليه بأنه تعسف، وإما إلى ما سلف من قوله سبحانه: * (قد خلت) * الخ، وهو المروي عن أبي إسحق، واختاره الطبري والبلخي وكثير من المتأخرين.
- وأل - في الناس للعهد، والمراد بهم المكذبون، والظرف إما متعلق ببيان أو بمحذوف
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»