على تمنيهم الشهادة وهم لم يثبتوا حتى يستشهدوا، أو على تمنيهم الحرب وتسببهم لها ثم جبنهم وانهزامهم لا على تمني الشهادة نفسها لأن ذلك مما لا عتاب عليه كما وهم.
* (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) * روي أنه لما التقى الفئتان يوم أحد وحميت الحرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يأخذ هذا السيف بحقه ويضرب به العدو حتى ينحني؟ فأخذه أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري ثم تعمم بعمامة حمراء وجعل يتبختر ويقول:
أنا الذي عاهدني خليلي * ونحن بالسفح لدى النحيل أن لا أقوم الدهر في الكبول * أضرب بسيف الله والرسول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لمشية يبغضها الله تعالى ورسوله إلا في هذا الموضع فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله وقاتل علي كرم الله تعالى وجهه قتالا شديدا حتى التوى سيفه وأنزل الله تعالى النصر على المسلمين وأدبر المشركون فلما نظر الرماة إلى القوم قد انكشفوا والمسلمون ينتهبون الغنيمة خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قليلا منهم فانطلقوا إلى العسكر فلما رأى خالد بن الوليد قلة الرماة واشتغال الناس بالغنيمة ورأى ظهورهم خالية صاح في خيله من المشركين وحمل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفهم في مائتين وخمسين فارسا ففرقوهم وقتلوا نحوا من ثلاثين رجلا ورمى عبد الله بن قميئة الحارثي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر رباعيته وشج وجهه الكريم وأقبل يريد قتله فذب عنه مصعب بن عمير صاحب الراية رضي الله تعالى عنه حتى قتله ابن قميئة.
وقيل: إن الرامي عتبة بن أبي وقاص فرجع وهو يرى أنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قتلت محمدا وصرخ صارخ لا يدري من هو حتى قيل: إنه إبليس ألا إن محمدا قد قتل فانكفأ الناس وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: إلي عباد الله فاجتمع إليه ثلاثون رجلا فحموه حتى كشفوا عنه المشركين ورمى سعد بن أبي وقاص حتى اندقت سية قوسه ونثل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته وكان يقول ارم فداك أبي وأمي وأصيبت يد طلحة بن عبيد الله فيبست وعين قتادة حتى وقعت على وجنته فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعادت كأحسن ما كانت فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركه أبي بن خلف الجمحي وهو يقول: لا نجوت إن نجوت فقال القوم: يا رسول الله ألا يعطف عليه رجل منا، فقال: دعوه حتى إذا دنا منه تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحرث بن الصمة ثم استقبله فطعنه في عنقه وخدشه خدشة فتدهدى من فرسه وهو يخور كما يخور الثور وهو يقول: قتلني محمد وكان أبي قبل ذلك يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: عندي رمكة أعلفها كل يوم فرق ذرة أقتلك عليها ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: بل أنا أقتلك إن شاء الله تعالى فاحتمله أصحابه وقالوا: ليس عليك بأس قال: بلى لو كانت هذه الطعنة بربيعة ومضر لقتلتهم أليس قال لي: أقتلك؟ فلو بزق علي بعد تلك المقالة قتلني فلم يلبث إلا يوما حتى مات بموضع يقال له سرف. ولما فشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل قال بعض المسلمين: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان، وبعضهم جلسوا وألقوا بأيديهم. وقال أناس من أهل النفاق إن كان محمد قد قتل فالحقوا بدينكم الأول، فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك: إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه