تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٧٣
الظرف من معنى الاستقرار إن كان بمعنى ما يعد الخ، وجعل الجنة حينئذ نفسها نزلا من باب التجوز، أو بتقدير مضاف أي ذات نزل، وإما على الحالية من الضمير في خالدين إن كان جمعا، وإما على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف إن كان مصدرا وهو حينئذ بمعنى النزول أي نزلوها نزلا، وجوز على تقدير مصدريته أن يكون بمعنى المفعول فيكون حالا من الضمير المجرور في فيها أي منزلة، والظرف صفة نزلا إن لم تجعله جمعا وإن جعلته جمعا ففيه - كما قال أبو البقاء - وجهان: أحدهما: أنه حال من المفعول المحذوف لأن التقدير (نزلا) إياها، والثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي ذلك من عند الله أي بفضله، وذهب كثير من العلماء على أن النزل بالمعنى الأول - وعليه تمسك بعضهم بالآية على رؤية الله تعالى لأنه لما كانت الجنة بكليتها نزلا فلا بد من شيء آخر يكون أصلا بالنسبة إليها وليس وراء الله تعالى شيء - وهو كما ترى، نعم فيه حينئذ إشارة إلى أن القوم ضيوف الله تعالى وفي ذلك كمال اللطف بهم.
* (وما عند الله) * من الأمور المذكورة الدائمة لكثرته ودوامه * (خير للأبرار) * مما يتقلب فيه الفجار من المتاع القليل الزائل لقلته وزواله، والتعبير عنهم - بالأبرار - ووضع الظاهر موضع الضمير كما قيل: للإشعار بأن الصفات المعدودة من أعمال البر كما أنها من قبيل التقوى والجملة تذييل، وزعم بعضهم أن هذا مما يحتمل أن يكون إشارة إلى الرؤية لأن فيه إيذانا بمقام العندية والقرب الذي لا يوازيه شيء من نعيم الجنة، والموصول مبتدأ، والظرف صلته، وخير خبره، وللأبرار صفة خير. وجوز أن يكون للأبرار خبرا والنية به التقديم أي والذي عند الله مستقر للأبرار وخير على هذا خبر ثان، وقيل: للأبرار حال من الضمير في الظرف، وخير خبر المبتدأ، وتعقبه أبو البقاء بأنه بعيد لأن فيه الفصل بين المبتدأ والخبر بحال لغيره والفصل بين الحال وصاحب الحال غير المبتدأ وذلك لا يجوز في الاختيار.
* (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ومآ أنزل إليكم ومآ أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بايات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب) *.
* (وإن من أهل الكت‍ابلمن يؤمن بالله) * أخرج ابن جرير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما مات النجاشي: " أخرجوا فصلوا على أخ لكم فخرج فصلى بنا فكبر أربع تكبيرات فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط " فأنزل الله تعالى هذه الآية. وروي ذلك أيضا عن ابن عباس وأنس وقتادة، وعن عطاء أنها نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران من بني الحرث بن كعب اثنين وثلاثين من أرض الحبشة وثمانية من الروم كانوا جميعا على دين عيسى عليه السلام فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وروي عن ابن جريج وابن زيد. وابن إسحق أنها نزلت في جماعة من اليهود أسلموا، منهم عبد الله بن سلام ومن معه، وعن مجاهد أنها نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم، وأشهر الروايات أنها نزلت في النجاشي - وهو بفتح النون على المشهور - كما قال الزركشي. ونقل ابن السيد كسرها - وعليه ابن دحية - وفتح الجيم مخففة - وتشديدها غلط - وآخره ياء ساكنة وهو الأكثر رواية لأنها ليست للنسبة، ونقل ابن الأثير تشديدها، ومنهم من جعله غلطا - وهو لقب كل من ملك الحبشة - واسمه أصحمة - بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وحاء مهملة - والحبشة يقولونه بالخاء المعجمة، ومعناه عندهم عطية الصنم، وذكر مقاتل في " نوادر التفسير " أن اسمه مكحول بن صعصعة، والأول: هو المشهور، وقد توفي في رجب سنة تسع، والجملة مستأنفة سيقت لبيان أن أهل الكتاب ليس كلهم كمن حكيت هناتهم من نبذ الميثاق وتحريف الكتاب وغير ذلك بل منهم من له مناقب جليلة، وفيها أيضا تعريض بالمنافقين
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»