تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٨٤
وسائر أهل الكوفة * (تساءلون) * بادغام تاء الفاعل في السين لتقاربهما في الهمس.
* (والأرحام) * بالنصب وهو معطوف إما على محل الجار والمجرور إن كان المحل لهما، أو على محل المجرور إن كان المحل له، والكلام على حد مررت بزيد، وعمرا، وينصره قراءة (تسألون به وبالأرحام) وأنهم كانوا يقرنونها في السؤال والمناشدة بالله تعالى ويقولون: أسألك بالله تعالى وبالله سبحانه وبالرحم - كما أخرج ذلك غير واحد - عن مجاهد، وهو اختيار الفارسي وعلي بن عيسى؛ وإما معطوف على الاسم الجليل أي اتقوا الله تعالى والأرحام وصلوها ولا تقطعوها فإن قطعها مما يجب أن يتقى، وهو رواية ابن حميد عن مجاهد والضحاك عن ابن عباس، وابن المنذر عن عكرمة، وحكي عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه واختاره الفراء والزجاج، وجوز الواحدي النصب على الإغراء أي والزموا الأرحام وصلوها، وقرأ حمزة بالجر، وخرجت في المشهور على العطف على الضمير المجرور، وضعف ذلك أكثر النحويين بأن الضمير المجرور كبعض الكلمة لشدة اتصاله بها فكما لا يعطف على جزء الكلمة لا يعطف عليه.
وأول من شنع على حمزة في هذ القراءة أبو العباس المبرد حتى قال: لا تحل القراءة بها، وتبعه في ذلك جماعة - منهم ابن عطية - وزعم أنه يردها وجهان: أحدهما: أن ذكر أن الأرحام مما يتساءل بها لا معنى له في الحض على تقوى الله تعالى، ولا فائدة فيها أكثر من الإخبار بأن الأرحام يتساءل بها، وهذا مما يغض من الفصاحة، والثاني: أن في ذكرها على ذلك تقرير التساؤل بها والقسم بحرمتها، والحديث الصحيح يرد ذلك، فقد أخرج الشيخان عنه صلى الله عليه وسلم: " من كان حالفا فليحلف بالله تعالى أو ليصمت ". وأنت تعلم أن حمزة لم يقرأ كذلك من نفسه ولكن أخذ ذلك بل جميع القرآن عن سليمان بن مهران الأعمش والإمام بن أعين ومحمد بن أبى ليلى، وجعفر بن محمد الصادق - وكان صالحا ورعا ثقة في الحديث - من الطبقة الثالثة.
وقد قال الإمام أبو حنيفة والثوري ويحيى بن آدم في حقه غلب حمزة الناس على القراءة والفرائض، وأخذ عنه جماعة وتلمذوا عليه منهم إمام الكوفة - قراءة وعربية - أبو الحسن الكسائي، وهو أحد القراء السبع الذين قال أساطين الدين: إن قراءتهم متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يقرأ بذلك وحده بل قرأ به جماعة من غير السبعة كابن مسعود وابن عباس وإبراهيم النخعي والحسن البصري وقتادة ومجاهد وغيرهم - كما نقله ابن يعيش - فالتشنيع على هذا الإمام في غاية الشناعة ونهاية الجسارة والبشاعة وربما يخشى منه الكفر، وما ذكر من امتناع العطف على الضمير المجرور هو مذهب البصريين ولسنا متعبدين باتباعهم، وقد أطال أبو حيان في " البحر " الكلام في الرد عليهم، وادعى أن ما ذهبوا إليه غير صحيح، بل الصحيح ماذهب إليه الكوفيون من الجواز وورد ذلك في لسان العرب نثرا ونظما، وإلى ذلك ذهب ابن مالك، وحديث إن ذكر الأرحام - حينئذ لا معنى له في الحض على تقوى الله تعالى - ساقط من القول لأن التقوى إن أريد بها تقوى خاصة - وهي التي في حقوق العباد التي من جملتها صلة الرحم فالتساؤل بالأرحام مما يقتضيه بلا ريب، وإن أريد الأعم فلدخوله فيها وأما شبهة أن في ذكرها تقرير التساؤل بها، والقسم بحرمتها والحديث يرد ذلك للنهي فيه عن الحلف بغير الله تعالى، فقد قيل في جوابها: لا نسلم أن الحلف بغير الله تعالى مطلقا منهي عنه، بل المنهي عنه ما كان مع اعتقاد وجوب البر، وأما الحلف على سبيل التأكيد مثلا فمما لا بأس به ففي الخبر " أفلح وأبيه إن صدق ". وقد ذكر بعضهم أن قول الشخص لآخر: أسألك بالرحم أن تفعل كذا ليس الغرض منه سوى الاستعطاف
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»