تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٧٧
في إبداع الملك طلبا لمشاهدة الملك في الملك فإذا شاهدوا قالوا * (ربنا ما خلقت هذا باطلا) * بل هو مرايا لأسمائك ومظاهر لصفاتك، ويفصح بالمقصود قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل * وكل نعيم لا محالة زائل * (سبحانك) * أي تنزيها لك من أن يكون في الوجود سواك * (فقنا عذاب النار) * (آل عمران: 191) وهي نار الاحتجاب بالأكوان عن رؤية المكون * (ربنا إنك من تدخل النار) * وتحجبه عن الرؤية * (فقد أخزيته) * وأذللته بالبعد عنك * (وما للظالمين) * الذين أشركوا ما لا وجود له في العير ولا النفير * (من أنصار) * (آل عمران: 192) لاستيلاء التجلي القهرى عليهم * (ربنا إننا سمعنا) * بأسماع قلوبنا * (مناديا) * من أسرارنا التي هي شاطىء وادي الروح الأيمن * (ينادي للإيمان) * العياني * (أن آمنوا بركم فآمنا) * أي شاهدوا ربكم فشاهدنا، أو (إننا سمعنا) في المقام الأول (مناديا ينادي للإيمان) والمراد به هو الله تعالى حين خاطب الأرواح في عالم الذر بقوله سبحانه: * (ألست بربكم) * (الأعراف: 172) فإن ذلك دعاء لهم إلى الإيمان (فآمنا) يعنون قولهم: * (بلى) * حين شاهدوه هناك سبحانه * (ربنا فاغفر لنا ذنوبنا) * أي ذنوب صفاتنا بصفاتك * (وكفر عنا) * سيئات أفعالنا برؤية أفعالك * (وتوفنا) * عن ذواتنا بالموت الاختياري * (مع الأبرار) * (آل عمران: 193) وهم القائمون على حد التفريد والتوحيد * (ربنا وآتنا ما وعدتنا على) * ألسنة * (رسلك) * بقولك: * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * (يونس: 26) * (ولا تخزنا يوم القيامة) * بأن تحجبنا بنعمتك عنك * (إنك لا تخلف الميعاد) * (آل عمران: 194) * (فاستجاب لهم ربهم) * لكمال رحمته * (أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر) * القلب وعمله مثل الإخلاص واليقين * (أو أنثى) * النفس وعملها إذا تركت المجاهدات والطاعات القالبية * (بعضكم من بعض) * إذ يجمعكم أصل واحد وهو الروح الإنسانية * (فالذين هاجروا) * من غير الله تعالى إلى الله عز وجل * (وأخرجوا من ديارهم) * وهي مألوفات أنفسهم * (وأوذوا في سبيلي) * بما قاسوا من المنكرين، وعن بعض العارفين أن القوم إذا لم يذوقوا مرارة إيذاء المنكرين لم يفوزوا بحلاوة كأس القرب من الله تعالى، ولهذا قال الجنيد قدس سره: جزى الله تعالى إخواننا عنا خيرا ردونا بجفائهم إلى الله تعالى * (وقاتلوا) * أنفسهم في وهي أعدى أعدائهم * (وقتلوا) * بسيف الفناء * (لأكفرن عنهم سيئاتهم) * الصغائر والكبائر من بقايا صفاتهم وذواتهم * (ولأدخلنهم جنات) * ثلاث وهي جنة الأفعال، وجنة الصفات، وجنة الذات * (تجري من تحتها الأنهار) * أنهار العلوم والتجليات * (ثوابا من عند الله) * الجامع لجميع الصفات * (والله عنده حسن الثواب) * (آل عمران: 195) فلا يكون بيد غيره ثواب أصلا * (لا يغرنك تقلب الذين كفروا) * أي حجبوا عن التوحيد * (في البلاد) * (آل عمران: 196) في المقامات الدنيوية والأحوال * (متاع قليل) * لسرعة زواله وعدم نفعه * (ثم مأواهم جهنم) * الحرمان * (وبئس المهاد) * (آل عمران: 197) الذي اختاروه بحسب استعدادهم * (لكن الذين اتقوا ربهم) * بأن تجردوا كمال التجرد * (لهم جنات) * ثلاث عوض ذلك * (نزلا من عند الله) * معدا لهم * (وما عند الله) * من نعم المشاهدة ولطائف القربة وحلاوة الوصلة * (خير للأبرار) * (آل عمران: 198) * (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) * ويحقق التوحيد الذاتي * (وما أنزل إليكم) * من علم التوحيد والاستقامة * (وما أنزل إليهم) * من علم المبدأ والمعاد ونيل الدرجات * (خاشعين لله) * للتجلي الذاتي وما تجلى الله تعالى لشيء إلا خضع له * (لا يشترون بآيات الله) * تعالى وهي تجليات صفاته * (ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم) * وهي تلك الجنات * (إن الله سريع الحساب) * (آل عمران: 199) فيوصل إليهم أجرهم بلا إبطاء * (يا أيها الذين آمنوا اصبروا) * عن المعاصي * (وصابروا) * على الطاعات * (ورابطوا) * الأرواح بالمشاهدة * (واتقوا الله) * من مشاهدة الأغيار * (لعلكم تفلحون) * (آل عمران: 200) بالتجرد عن همومكم وخطراتكم، أو (اصبروا) في مقام النفس بالمجاهدة (وصابروا) في مقام القلب مع التجليات (ورابطوا)
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»