في مقام الروح ذواتكم حتى لا تعتريكم فترة أو غفلة واتقوا الله عن المخالفة والإعراض والجفاء (لعلكم) تفوزون بالفلاح الحقيقي، نسأل الله تعالى أن يجعل لنا الحظ الأوفى من امتثال هذه الأوامر وما يترتب عليها بمنه وكرمه. وهذه الآيات العشر كان يقرؤها صلى الله عليه وسلم كل ليلة - كما أخرج ذلك ابن السني، وأبو نعيم، وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. وأخرج الدارمي عن عثمان قال: من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب الله تعالى له قيام ليلة، وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا " من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله تعالى عليه وملائكته حتى تجب الشمس "، وخبر - من قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية أمانا على جسر جهنم - موضوع مختلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عابوا على من أورده من المفسرين، نسأل الله تعالى أن يعصمنا عن الزلل ويحفظنا من الخطأ والخطل إنه جواد كريم رؤوف رحيم، وليكن هذا خاتمة ما أمليته من تفسير الفاتحة والزهراوين، وأنا أرغب إلى الله تعالى بالإخلاص أن يوصلني إلى تفسير المعوذتين، وهو الجلد الأول من " روح المعاني "، ويتلوه إن شاء الله تعالى الجلد الثاني وكان الفراغ منه في غرة محرم الحرام سنة 1254 ألف ومائتين وأربعة وخمسين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين آمين.
سورة النساء مدنية على الصحيح، وزعم النحاس أنها مكية مستندا إلى أن قوله تعالى: * (إن الله يأمركم) * (النساء: 58)، الآية نزلت بمكة اتفاقا في شأن مفتاح الكعبة، وتعقبه العلامة السيوطي بأن ذلك مستند واه لأنه لا يلزم من نزول آية، أو آيات بمكة من سورة طويلة نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية خصوصا أن الأرجح أن ما نزل بعد الهجرة مدني ومن راجع أسباب نزول آياتها عرف الرد عليه، ومما يرد عليه أيضا ما أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله عليه وسلم، وبناؤه عليها صلى الله عليه وسلم كان بعد الهجرة اتفاقا، وقيل: إنها نزلت عند الهجرة؛ وعدة آياتها عند الشاميين مائة وسبع وسبعون، وعند الكوفيين ست وسبعون، وعند الباقين خمس وسبعون، والمختلف فيه منها آيتان: إحداهما: * (أن تضلوا السبيل) * (النساء: 44) وثانيتهما: * (فيعذبهم عذابا أليما) * (النساء: 173) فالكوفيون يثبتون الأولى آية فقط، والشاميون يثبتون الثانية أيضا، والباقون يقولون هما بعضنا آية، ووجه مناسبتها لآل عمران أمور، منها أن آل عمران ختمت بالأمر بالتقوى، وافتتحت هذه السورة به، وذلك من آكد وجوه المناسبات في ترتيب السور، وهو نوع من أنواع البديع يسمى في الشعر تشابه الأطراف وقوم يسمونه بالتسبيغ، وذلك كقول ليلى الأخيلية: إذا نزل الحجاج أرضا مريضة * تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذي بها * غلام إذا هز القناة رواها رواها فأرواها بشرب سجالها * دماء رجال حيث نال حشاها