تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٦٥
والتكفير قد يستعمل في فعل العبد - كما يقال: كفر عن يمينه - وهو يقتضي أن يكون الثاني أخف من الأول على تحمل ما فيه إنما يقتضي مجرد الأخفية. وأما كون الأول الكبائر والثاني الصغائر بالمعنى المراد فلا يجوز يراد بالأول والثاني ما ذكر في القول الثالث، فإن الأخفية وعدمها فيه مما لا سترة عليه كما لا يخفى، ثم المفهوم من كثير من عبارات اللغويين عدم الفرق بين الغفران والتكفير بل صرح بعضهم بأن معناهما واحد. وقيل: في التكفير معنى زائد وهو التغطية للأمن من الفضيحة، وقيل: إنه كثيرا ما يعتبر فيه معنى الإذهاب والإزالة ولهذا يعدى بعن والغفران ليس كذلك، وفي ذكر * (لنا) * و * (عنا) * في الأية مع أنه لو قيل: فاغفر ذنوبنا وكفر سيئآتنا لأفاد المقصود إيماء إلى وفور الرغبة في هذين الأمرين، وادعى بعضهم أن الدعاء الأول متضمن للدعاء بتوفيق الله تعالى للتوبة لأنه السبب لمغفرة الكبائر وأن الدعاء الثاني متضمن لطلب التوفيق منه سبحانه للاجتناب عن الكبائر لأنه السبب لتكفير الصغائر، وأنت تعلم المغفرة غير مشروطة بالتوبة عند الأشاعرة. وأن بعضهم احتج بهذه الآية على ذلك حيث إنهم طلبوا المغفرة بدون ذكر التوبة بل بدون التوبة بدلالة فاء التعقيب كذا قيل، وسيأتي تحقيق ما فيه فتدبر.
* (وتوفنا مع الأبرار) * أي مخصوصين بالانخراط في سلكهم والعد من زمرتهم ولا مجال لكون المعية زمانية إذ منهم من مات قبل، ومن يموت بعد، وفي طلبهم التوفي وإسنادهم له إلى الله تعالى إشعار بأنهم يحبون لقاء الله تعالى ومن أحب لقاء الله تعالى أحب الله تعالى لقاءه. والأبرار جمع بر كأرباب جمع رب، وقيل: جمع بار كأصحاب جمع صاحب، وضعف بأن فاعلا لا يجمع على أفعال، وأصحاب جمع صحب بالسكون، أو صحب بالكسر مخفف صاحب بحذف الألف. وبعض أهل العربية أثبته وجعله نادرا، ونكتة قولهم * (مع الأبرار) * دون أبرارا التذلل، وأن المراد لسنا بأبرار فاسلكنا معهم واجعلنا من أتباعهم، وفي " الكشف " إن في ذلك هضما للنفس وحسن أدب مع إدماج مبالغة لأنه من باب - وهو من العلماء - بدل عالم.
* (ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القي‍امة إنك لا تخلف الميعاد) *.
* (ربنا وءاتنا) * أي بعد التوفي * (ما وعدتنا) * أي به أو إياه، والمراد بذلك الثواب * (على رسلك) * إما متعلق بالوعد، أو بمحذوف وقع صفة لمصدر مؤكد محذوف وعلى التقديرين في الكلام مضاف محذوف والتقدير على التقدير الأول، وعدتنا على تصديق أو امتثال رسلك وهو كما يقال - وعد الله تعالى الجنة على الطاعة، وعلى الثاني وعدتنا وعدا كائنا على ألسنة رسلك، ويجوز أن يتعلق الجار على تقدير الألسنة بالوعد أيضا فتخف مؤنة الحذف وتعلقه - بآتنا - كما جوزه أبو البقاء خلاف الظاهر.
وبعض المحققين جوز التعلق بكون مقيد هو حال من (ما) أي منزلا أو محمولا * (على رسلك) *. واعترضه أبو حيان بأن القاعدة أن متعلق الظرف إذا كان كونا مقيدا لا يجوز حذفه وإنما يحذف إذا كان كونا مطلقا، وأيضا الظرف هنا حال وهو إذا وقع حالا أو خبرا أو صفة يتعلق بكون مطلق لا مقيد، وأجيب بمنع انحصار التعلق في كون مطلق بل يجوز التعلق به أو بمقيد، ويجوز حذفه إذا كان عليه دليل ولا يخفى متانة الجواب، وأن إنكار أبي حيان ليس بشيء إلا أن تقدير كون مقيد فيما نحن فيه تعسف مستغنى عنه.
وزعم بعضهم جواز كون * (على) * بمعنى مع، وأنه متعلق - بآتنا - ولا حذف لشيء أصلا، والمراد - آتنا مع رسلك وشاركهم معنا في أجرنا - فإن الدال على الخير كفاعله، وفائدة طلب تشريكهم معهم أداء حقهم وتكثير فضيلهم ببركة مشاركتهم ولا يخفى أن هذا مما لا ينبغي تخريج كلام الله تعالى الجليل عليه، بل ولا كلام أحد من
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»