المخلوق، أو إلى الخلق على تقدير كونه بمعنى المخلوق، وقيل: إليهما باعتبار المتفكر فيه وعلى كل فأمر الإفراد والتذكير واضح والعدول عن الضمير إلى اسم الإشارة للإشارة إلى أنها مخلوقات عجيبة يجب أن يعتنى بكمال تمييزها استعظاما لها، ونظير ذلك قوله تعالى: * (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) * (الإسراء: 9) والباطل العبث وهو ما لا فائدة فيه مطلقا أو ما لا فائدة فيه يعتد بها، أو ما لا يقصد به فائدة، وقيل: الذاهب الزائل الذي لا يكون له قوة وصلابة، ولا يخفى أنه قول لا قوة له ولا صلابة، وهو إما صفة لمصدر محذوف أي خلقا باطلا، أو حال من المفعول. والمعنى ربنا ما خلقت هذا المخلوق أو المتفكر فيه العظيم الشأن عاريا عن الحكمة خاليا عن المصلحة كما ينبىء عنه أوضاع الغافلين عن ذلك المعرضين عن التفكر فيه العادمين من جناح النظر قداماه وخوافيه، بل خلقته مشتملا على حكم جليلة منتظما لمصالح عظيمة تقف الأفكار حسرى دون الإحاطة بها وتكل أقدام الأذهان دون الوقوف عليها بأسرها، ومن جملتها أن يكون مدارا لمعايش العباد ومنارا يرشدهم إلى معرفة أحوال المبدأ والمعاد حسبما نطقت به كتبك وجاءت به رسلك.
والجملة بتمامها في حيز النصب بقول مقدر أي يقولون ربنا الخ، وجملة القول حال من المستكن في يتفكرون أي يتفكرون في ذلك قائلين (ربنا ما خلقت هذا باطلا)، وإلى هذا ذهب عامة المفسرين. واعترض بأن النظم الكريم لا يساعده لما أن ما في حيز الصلة وما هو قيد له حقه أن يكون من مبادي الحكم الذي أجري على الموصول ودواعي ثبوته له كذكرهم الله تعالى في عامة أوقاتهم وتفكرهم في خلق السموات والأرض فإنهما مما يؤدي إلى اجتلاء تلك الآيات والاستدلال بها على المطلوب، ولا ريب أن قولهم ذلك ليس من مبادىء الاستدلال المذكور بل من نتائجها المترتبة عليه فاعتباره قيدا لما في حيز الصلة مما لا يليق بشأن التنزيل الجليل، فاللائق أن تكون جملة القول استئنافا مبينا لنتيجة التفكر ومدلول الآيات ناشئا مما سبق فإن النفس عند سماع تخصيص الآيات المنصوبة في خلق العالم - بأولي الألباب - ثم وصفهم بذكر الله تعالى والتفكر في مجال تلك الآيات تبقى مترقبة لما يظهر منهم من آثارها وأحكامها كأنه قيل: فماذا يكون عند تفكرهم في ذلك وما يترتب عليه من النتيجة؟ فقيل: يقولون كيت وكيت مما ينبىء عن وقوفهم على سر الخلق المؤدي إلى معرفة صدق الرسل وحقية الكتب الناطقة بتفاصيل الأحكام الشرعية وهذا على تقدير كون الموصول موصولا نعتا، * (لأولي) * (آل عمران؛ 190)، وأما على تقدير كونه مفصولا منصوبا أو مرفوعا على المدح مثلا فتأتي الحالية من ذلك إذ لا اشتباه في أن قولهم هذا من مبادىء مدحهم ومحاسن مناقبهم ويكون في إبراز هذا القول في معرض الحال إشعار بمقارنته لتفكرهم من غير تردد وتلعثم في ذلك انتهى، وهو كلام تلوح عليه أمارات التحقيق ومخايل التدقيق.
والقول بأن الحالية تجتمع مع كون القول المذكور من النتائج لا يخفى ما فيه، ثم كون هذا القول من نتائج التفكر مما لا يكاد ينكره ذو فكر، وتوضيح ذلك - على رأي - أن القوم لما تفكروا في مخلوقاته سبحانه ولا سيما السموات مع ما فيها من الشمس والقمر والنجوم والأرض وما عليها من البحار والجبال والمعادن عرفوا أن لها ربا وصانعا فقالوا ربنا ثم لما اعترفوا في أن في كل من ذلك حكما ومقاصد وفوائد لا تحيط بتفاصيلها الأفكار قالوا: * (ما خلقت هذا باطلا) * ثم لما تأملوا وقاسوا أحوال هذه المصنوعات إلى صانعها رأوا أنه لا بد وأن يكون الصانع منزها عن مشابهة شيء منها، فإذن هو ليس بجسم ولا عرض ولا في حيز ولا بمفتقر ولا، ولا... فقالوا:
* (سبحانك) * أي تنزيها لك مما لا يليق بك، ثم لما استغرقوا في بحار العظمة والجلال وبلغوا هذا المبلغ الأعظم