تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٦٣
أما الأولى فباحتمال أن لا يسمى بعد القتل مؤمنا وإن كان قبل مؤمنا، وأما الأخريان فبخصوص المحمول وجزئية الموضوع كما تقرر آنفا.
* (وما للظالمين من أنصار) * أي ليس لكل منهم ناصر ينصره ويخلصه مما هو فيه، والجملة تذييل لإظهار فظاعة حالهم، وفيه تأكيد للاستدعاء ووضع الظالمين موضع ضمير المدخلين لذمهم والإشعار بتعليل دخولهم النار بظلمهم، وتمسكت المعتزلة بنفي الأنصار على نفي الشفاعة لسائر المدخلين، وأجيب بأن الظالم على الإطلاق هو الكافر لقوله تعالى: * (والكافرون هم الظالمون) * (البقرة: 254)، وقيل: نفي الناصر لا يمنع نفي الشفيع لأن النصر دفع بقوة والشفاعة تخليص بخضوع وتضرع وله وجه، والقول بأن العرف لا يساعده غير متجه.
وقال في " الكشف ": الظاهر من الآية أن من دخل النار لا ناصر له من دخولها أما إنه لا ناصر له من الخروج بعد الدخول فلا، وذلك لأنه عام في نفي الافراد مهمل بحسب الأوقات، والظاهر التقييد بما يطلب النصر أولا لأجله كمن أخذ يعاقب فقلت: ما له من ناصر لم يفهم منه أن العقاب لا ينتهي بنفسه وأنه بعد العقاب لم يشفع بل فهم منه لم يمنعه أحد مما حل به، ثم إن سلم التساوي لم يدل على النفي، وأجاب غير واحد على تقدير عموم الظالم وعدم الفرق بين النصر والشفاعة بأن الأدلة الدالة على الشفاعة - وهي أكثر من أن تحصى - مخصصة للعموم، وقد تقدم ما ينفعك هنا.
* (ربنآ إننآ سمعنا مناديا ينادى للإيم‍ان أن ءامنوا بربكم فاامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئ‍اتنا وتوفنا مع الابرار) *.
* (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) * على معنى القول أيضا، وهو كما قال شيخ الإسلام: حكاية لدعاء آخر مبني على تأملهم في الدليل السمعي بعد حكاية دعائهم السابق المبني على تفكرهم في الأدلة القطعية، ولا يخفى أن ذلك التفكر مستدع في الجملة لهذا القول، وفي تصدير مقدمة الدعاء بالنداء إشارة إلى كمال توجههم إلى مولاهم وعدم غفلتهم عنه مع إظهار كمال الضراعة والابتهال إلى معود الإحسان والإفضال، وفي التأكيد إيذان بصدور ذلك عنهم بوفور الرغبة ومزيد العناية وكمال النشاط، والمراد بالمنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو المروي عن ابن مسعود وابن عباس وابن جريج - واختاره الجبائي وغيره.
وقيل: المراد به القرآن، وهو المحكي عن محمد بن كعب القرظي وقتادة، واختاره الطبري معللا ذلك بأنه ليس يسمع كل واحد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يراه، والقرآن ظاهر باق على ممر الأيام والدهور يسمعه من أدرك عصر نزوله ومن لم يدرك، ولأهل القول الأول أن يقولوا: من بلغه بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته جاز له أن يقول: * (سمعنا مناديا) * وإن كان فيه ضرب من التجوز، وأيضا المراد بالنداء الدعاء ونسبته إليه صلى الله عليه وسلم أشهر وأظهر، فقد قال تعالى: * (أدع إلى سبيل ربك) * (النحل: 125) * (أدعو إلى الله) * (يوسف: 108) * (وداعيا إلى الله) * (الأحزاب: 46) وهي إليه عليه الصلاة والسلام حقيقة، وإلى القرآن على حد قوله:
(تناديك أجداث وهن صموت) * وسكانها تحت التراب سكوت والتنوين في المنادى للتفخيم وإيثاره على الداعي للإشارة إلى كمال اعتنائه بشأن الدعوة وتبليغها إلى القريب والبعيد لما فيه من الإيذان برفع الصوت، وقد كان شأنه الرفيع صلى الله عليه وسلم في الخطب ذلك الرفع حقيقة، ففي الخبر كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم. ولما كان النداء مخصوصا بما يؤدي له ومنتهيا إليه تعدى باللام وإلى تارة، وتارة فاللام في للإيمان على ظاهرها ولا حاجة إلى جعلها بمعنى إلى أو الباء، ولا إلى جعلها بمعنى العلة - كما ذهب إليه البعض - وجملة * (ينادي) * في موضع المفعول الثاني - لسمع - على ما ذهب إليه الأخفش وكثير من النحاة من تعدى - سمع - هذه إلى مفعولين ولا حذف في الكلام؛ وذهب الجمهور إلى أنها لا تتعدى إلا إلى واحد، واختاره ابن الحاجب قال
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»