تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٦٤
في " أماليه ": وقد يتوهم أن السماع متعد إلى مفعولين من جهة المعنى والاستعمال، أما المعنى فلتوقفه على مسموع، وأما الاستعمال فلقولهم سمعت زيدا يقول ذلك وسمعته قائلا، وقوله تعالى: * (هل يسمعونكم إذ تدعون) * (الشعراء: 72) ولا وجه له لأنه يكفي في تعلقه المسموع دون المسموع منه، وإنما المسموع منه كالمشموم منه فكما أن الشم لا يتعدى إلا إلى واحد فكذلك السماع فهو مما حذف فيه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه للعلم به ويذكر بعده حال تبينه ويقدر في * (يسمعونكم إذ تدعون) * يسمعون أصواتكم انتهى، والزمخشري جعل المسموع صفة بعد النكرة وحالا بعد المعرفة وهو الظاهر، وادعى بعض المحققين أن الأوفق بالمعنى فيما جعله حالا أو وصفا أن يجعل بدلا بتأويل الفعل بالمصدر على ما يراه بعض النحاة لكنه قليل في الاستعمال فلذا أوثرت الوصفية أو الحالية.
وزعم بعضهم أن السماع إذا وقع على غير الصوت فلا بد أن يذكر بعده فعل مضارع يدل على الصوت ولا يجوز غيره - وهو غير صحيح - لوقوع الظرف واسم الفاعل كما سمعته، وفي تعليق السماع بالذات مبالغة في تحقيقه، والإيذان بوقوعه بلا واسطة عند صدور المسموع عن المتكلم، وفي إطلاق المنادى أولا حيث قال سبحانه: * (مناديا) * ولم يذكر ما دعي له، ثم قوله عز شأنه بعد: * (ينادي للإيمان) * ما لا يخفى من التعظيم لشأن المنادى والمنادى له، ولو قيل من أول الأمر * (مناديا للإيمان) * لم يكن بهذه المثابة، وحذف المفعول الصريح - لينادي - إيذانا بالعموم أي ينادي كل واحد.
* (أن ءامنوا بربكم) * أي أن آمنوا به على أن * (أن) * تفسيرية، أو بأن آمنوا - على أنها مصدرية، وعلى الأول فآمنوا تفسير لينادي لأن نداءه عين قوله: * (آمنوا) * والتقدير ينادي للإيمان أي يقول: آمنوا وليس تفسيرا للإيمان كما توهم، وعلى الثاني يكون - بأن آمنوا - متعلقا ب * (ينادي) * لأنه المنادى به وليس بدلا من الإيمان - كما زعمه البعض - ومن المحققين من اقتصر على احتمال المصدرية لما أن كثيرا من النحاة يأبى التفسيرية لما فيها من التكلف، ومن اختارها قال: إن المصدرية تستدعي التأويل بالمصدر وهو مفوت لمعنى الطلب المقصود من الكلام. وأجيب بأنه يقدر الطلب في التأويل إذا كانت داخلة على الأمر وكذا يقدر ما يناسب الماضي والمستقبل إذا كانت داخلة عليهما، ولا ينبغي أن يجعل الحاصل من الكل بمجرد معنى المصدر لئلا يفوت المقصود من الأمر وأخويه، وفي التعرض لعنوان الربوبية إشارة إلى بعض الأدلة عليه سبحانه وتعالى ورمز إلى نعمته جل وعلا على المخاطبين ليذكروها فيسارعوا إلى امتثال الأمر، وفي إطلاق الإيمان ثم تقييده تفخيم لشأنه.
* (فئامنا) * عطف على * (سمعنا) * والعطف بالفاء مؤذن بتعجيل القبول وتسبب الإيمان عن السماع من غير مهلة، والمعنى فآمنا بربنا لما دعينا إلى ذلك، قال أبو منصور: فيه دليل على بطلان الاستثناء في الأيمان ولا يخفى بعده * (ربنا) * تكرير - كما قيل - للتضرع وإظهار لكمال الخضوع وعرض للاعتراف بربوبيته تعالى مع الإيمان به * (فاغفر لنا) * مرتب على الإيمان به تعالى والإقرار بربوبيته كما تدل عليه الفاء أي فاسترلنا * (ذنوبنا) * أي كبائرنا * (وكفر عنا سيئآتنا) * أي صغائرنا، وقيل: المراد من الذنوب ما تقدم من المعاصي، ومن السيئآت ما تأخر منها، وقيل: الأول ما أتى به الإنسان مع العلم بكونه معصية، والثاني ما أتى به من الجهل بذلك، والأول هو التفسير المؤثور عن ابن عباس.
وأيد بأنه المناسب للغة لأن الذنب مأخوذ من الذنب بمعنى الذيل، فاستعمل فيما تستوخم عاقبته وهو الكبيرة لما يعقبها من الإثم العظيم، ولذلك تسمى تبعة اعتبارا بما يتبعها من العقاب كما صرح به الراغب، وأما السيئة فمن السوء وهو المستقبح ولذلك تقابل بالحسنة فتكون أخف، وتأييده بأن الغفران مختص بفعل الله تعالى
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»