النظم ويزيده بعدا ما اخرجه الاصفهاني في " الترغيب " عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ينادي مناد يوم القيامة أين أولو الألباب؟ قالوا: أي أولي الألباب تريد؟ قال: * (الذين يذكرون الله قياما وقعودا) * الخ عقد لهم لواء فاتبع القوم لواءهم وقال لهم ادخلوها خالدين " والظاهر أن المراد من الذكر الذكر باللسان لكن مع حضور القلب إذ لا تمدح بالذكر بدونه بل أجمعوا على أنه لا ثواب لذاكر غافل، وإليه ذهب كثير، وعد ابن جريج قراءة القرآن ذكرا فلا تكره للمضطجع القادر، نعم نص بعض الشافعية على كراهتها له إذا غطى رأسه للنوم، وقال بعض المحققين: المراد به ذكره تعالى مطلقا سواء كان ذلك من حيث الذات أو من حيث الصفات والأفعال، وسواء قارنه ذكر اللسان أو لا، والمعنى عليه الذين لا يغفلون عنه تعالى في عامة أوقاتهم باطمئنان قلوبهم بذكره واستغراق سرائرهم في مراقبته، وعليه فيحمل ما حكي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وعروة بن الزبير، وجماعة رضي الله تعالى عنهم من أنهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى فجعلوا يذكرون الله تعالى فقال بعضهم: أما قال الله تعالى: * (يذكرون الله قياما وقعودا) * فقاموا يذكرون الله تعالى على أقدامهم على أن مرادهم بذلك التبرك بنوع موافقة للآية في ضمن فرد من أفراد مدلولها وليس مرادهم به تفسيرها وتحقيق مصداقها على التعيين وإلا لاضطجعوا وذكروا أيضا ليتم التفسير وتحقيق المصداق.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن مسعود في الآية أنه قال: إنما هذا في الصلاة إذا لم تستطع قائما فقاعدا وإن لم تستطع قاعدا فعلى جنب، وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين، وكانت به بواسير - كما أخرجه البخاري عنه - وبهذا الخبر احتج الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه على أن المريض يصلي مضطجعا على جنبه الأيمن مستقبلا بمقادم بدنه ولا يجوز له أن يستلقي على ظهره على ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه، وجعل الآية حجة على ذلك بناءا على أنه لما حصر أمر الذاكر في الهيئات المذكورة دل على أن غيرها ليس من هيئته والصلاة مشتملة على الذكر فلا ينبغي أن تكون على غير هيئته محل تأمل، وتخصيص ابن مسعود الذكر بالصلاة لا ينتهض حجة على أنه بعيد من سياق النظم الجليل وسباقه. والقيام والقعود جمع قائم وقاعد - كنيام ورقود - جمع نائم وراقد، وانتصابهما على الحالية من ضمير الفاعل في يذكرون ويحتمل أن يكونا مصدرين مؤلين بقائمين وقاعدين لتتأتى الحالية.
وقوله تعالى: * (وعلى جنوبهم) * متعلق بمحذوف معطوف على الحال أي وكائنين على جنوبهم أي مضطجعين، وجوز أن يقدر المتعلق المعطوف خاصا أي ومضطجعين على جنوبهم، والمراد من ذكر هذه الأحوال الإشارة إلى الدوام وانفهامه منها عرفا مما لا شبهة فيه وليس المراد الدوام الحقيقي لاستحالته بل في غالب أحوالهم، وبعضهم يأخذ الدوام من المضارع الدال على الاستمرار وكيفما كان فالمراد يذكرون الله تعالى كثيرا.
* (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) * عطف على * (يذكرون) * وعطفه على الأحوال السابقة غير ظاهر وتقديم الذكر في تلك الحالات على التفكر لما أن فيهما الاعتراف بالعبودية، والعبد مركب من النفس الباطنة والبدن الظاهر، وفي الأول: إشارة إلى عبودية الثاني، وفي الثاني: إشارة إلى عبودية الأول لأن التفكر إنما يكون بالقلب والروح، وفي بيان العبودية بعد الفراغ من آيات الربوبية ما لا يخفى من اللطف، وقيل: قدم الأول لأنه إشارة إلى النظر في الأنفس وأخر الثاني لأنه إشارة إلى النظر في الآفاق ولا شبهة في تقدم الأول على الثاني، وصرح مولانا شيخ الإسلام بأن