تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٢١
والنجاة وجدا معا وهو لا يدل على السببية، وأما الثاني: فلأن المهروب عنه بالذات هو الموت الذي القتل أحد أسبابه فإن صح ما ذكرتم فادفعوا سائر أسبابه فإن أسباب الموت في إمكان المدافعة بالحيل وامتناعها سواء، وأنفسكم أعز عليكم وأمرها أهم لديكم، وقيل: متعلق الصدق ما صرح به من قولهم: * (لو أطاعونا ما قتلوا) * والمعنى أنهم لو أطاعوكم وقعدوا لقتلوا قاعدين كما قتلوا مقاتلين، وحينئذ يكون * (فادرءوا) * الخ استهزاءا بهم أي إن كنتم رجالا دفاعين لأسباب الموت فادرءوا جميع أسبابه حتى لا تموتوا كما درأتم بزعمكم هذا السبب الخاص، وفي " الكشاف " " روي أنه مات يوم قالوا هذه المقالة منهم سبعون منافقا " بعدد من قتل بأحد.
* (ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) *.
* (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) * أخرج الإمام أحمد وجماعة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى لنا " وفي لفظ " قالوا من يبلغ إخواننا أننا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم فأنزل هؤلاء الآيات ".
وأخرج الترمذي وحسنه. والحاكم وصححه، وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا جابر مالي أراك منكسرا فقلت يا رسول الله استشهد أبي وترك عيالا ودينا فقال: ألا أبشرك بما لقي الله تعالى به أباك؟ قلت: بلى قال: ما كلم الله تعالى أحدا قط إلا من وراء حجاب وأحيا أباك فكلمه كفاحا وقال: يا عبدي تمن علي أعطك قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية قال الرب تعالى: قد سبق مني أنهم لا يرجعون قال: أي ربي فأبلغ من ورائي فأنزل الله تعالى هذه الآية " ولا تنافي بين الروايتين لجواز أن يكون كلا الأمرين قد وقع، وأنزل الله تعالى الآية لهما والأخبار متضافرة على نزولها في شهداء أحد، وفي رواية ابن المنذر عن إسحق ابن أبي طلحة قال: حدثني أنس في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى بئر معونة وساق الحديث بطوله - إلى أن قال - وحدثني أن الله تعالى أنزل فيهم قرآنا بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناه زمانا، فأنزل الله تعالى: * (ولا تحسبن) * الخ. ومن هنا قيل: إن الآية نزلت فيهم، وأنت تعلم أن الخبر ليس نصا في ذلك، وزعم بعضهم أنها نزلت في شهداء بدر، وادعى العلامة السيوطي أن ذلك غلط، وأن آية البقرة هي النازلة فيهم، وهي كلام مستأنف مسوق إثر بيان أن الحذر لا يسمن ولا يغني لبيان أن القتل الذي يحذرونه ويحذرون منه ليس مما يحذر بل هو من أجل المطالب التي يتنافس فيها المتنافسون، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يقف على الخطاب مطلقا. وقيل: من المنافقين الذين قالوا: * (لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا) * (آل عمران: 168) وإنما عبر عن اعتقادهم بالظن لعدم الاعتداد به، وقرىء - يحسبن - بالياء التحتانية على الإسناد إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، أو ضمير من يحسب على طرز ما ذكر في الخطاب، وقيل: إلى الذين قتلوا والمفعول الأول محذوف لأنه في الأصل مبتدأ جائز الحذف عند القرينة أي - ولا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا -. واعترضه أبو حيان " بأنه إنما يتمشى على رأي الجمهور فإنهم يجوزون هذا الحذف لكنه عندهم عزيز جدا، ومنعه إبراهيم بن ملكون الأشبيلي البتة، وما كان (بهذه المثابة) ممنوعا عند بعضهم عزيزا (حذفه) (4) عند الجمهور ينبغي أن لا يحمل عليه كلام الله تعالى "، وفيه أن هذا من باب التعصب لأن حذف أحد المفعولين في باب الحسبان لا يمنع اختصارا
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»