تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٤٠
وأخرج عبد الرزاق وغيره عن إبراهيم النخعي أنه قال: يجعل ما بخلوا به طوقا من نار في أعناقهم.
وذهب بعضهم إلى أن الظاهر غير مراد، والمعنى كما قال مجاهد: سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة عقوبة لهم فلا يأتون، وقال أبو مسلم: سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق على أنه حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه للإيذان بكمال المناسبة بينهما، ومن أمثالهم تقلدها طوق الحمامة، وكيفما كان فالآية نزلت في مانعي الزكاة كما روي ذلك عن الصادق وابن مسعود والشعبي والسدي وخلق آخرين وهو الظاهر، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنها نزلت في أهل الكتاب الذين كتموا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبوته التي نطقت بها التوراة، فالمراد بالبخل كتمان العلم وبالفضل التوراة التي أوتوها، ومعنى سيطوقون ما قاله أبو مسلم، أو المراد أنهم يطوقون طوقا من النار جزاء هذا الكتمان. فالآية حينئذ نظير قوله صلى الله عليه وسلم: " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار " وعليه يكون هذا عودا إلى ما انجر منه الكلام إلى قصة أحد، وذلك هو شرح أحوال أهل الكتاب قيل: ويعضده أن كثيرا من آيات بقية السورة فيهم.
* (ولله ميراث السماوات والأرض) * أي لله تعالى وحده لا لأحد غيره استقلالا أو اشتراكا ما في السموات والأرض مما يتوارث من مال وغيره كالأحوال التي تنتقل من واحد إلى آخر كالرسالات التي يتوارثها أهل السماء مثلا فما لهؤلاء القوم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيله وابتغاء مرضاته، فالميراث مصدر كالميعاد وأصله موراث فقلبت الواو ياءا لانكسار ما قبلها، والمراد به ما يتوارث، والكلام جار على حقيقته ولا مجاز فيه، ويجوز أنه تعالى يرث من هؤلاء ما في أيديهم مما بخلوا به وينتقل منهم إليه حين يهلكهم ويفنيهم وتبقى الحسرة والندامة عليهم، ففي الكلام على هذا مجاز قال الزجاج: أي إن الله تعالى يفني أهلهما فيبقيان بما فيهما ليس لأحد فيهما ملك فخوطبوا بما يعلمون لأنهم يجعلون ما يرجع إلى الإنسان ميراثا ملكا له.
* (والله بما تعملون) * من المنع والبخل * (خبير) * فيجازيكم على ذلك، وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة والالتفات إلى الخطاب للمبالغة في الوعيد لأن تهديد العظيم بالمواجهة أشد وهي قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي، وقرأ الباقون بالياء على الغيبة.
* (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنيآء سنكتب ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق) *.
* (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) * أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر رضي الله تعالى عنه بيت المدراس فوجد يهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص - وكان من علمائهم وأحبارهم - فقال أبو بكر: ويحك يا فنحاص اتق الله تعالى وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله تعالى من فقر وإنه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما تضرع إلينا وإنا عنه لأغنياء ولو كان غنيا عنا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم وأنه ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا عنا ما أعطانا الربا فغضب أبو بكر رضي الله تعالى عنه فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله تعالى فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد انظر ما صنع صاحبك بي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله تعالى عنه: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول الله قال قولا عظيما يزعم أن الله تعالى شأنه فقير وهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله تعالى
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»