كان بمعنى الوقت لكن وقع في معرض التعليل كما نص عليه معظم المحققين، والجار إما متعلق ببعث أو بمحذوف وقع صفة - لرسولا - والامتنان بذلك إما لحصول الأنس بكونه من الإنس فيسهل التلقي منه وتزول الوحشة والنفرة الطبيعية التي بين الجنسين المختلفين، وإما ليفهموا كلامه بسهولة ويفتخروا على سائر أصناف نوع بني آدم، وإما ليفهموا ويفتخروا ويكونوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة فيكون ذلك أقرب إلى تصديقه والوثوق به صلى الله عليه وسلم، وتخصيص المؤمنين بالامتنان مع عموم نعمة البعثة كما يدل عليه قوله تعالى: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * (الأنبياء: 107) لمزيد انتفاعهم على اختلاف الأقوال فيهم بها، ونظير ذلك قوله تعالى: * (هدى للمتقين) * (البقرة: 2) وقرىء - لمن من الله - بمن الجارة ومن المشددة النون على أنه خبر لمبتدأ محذوف مثل منه أو بعثه وحذف لقيام الدلالة، وجوز الزمخشري أن تكون إذ في محل الرفع كإذا في قولك: أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما بمعنى لمن من الله تعالى على المؤمنين وقت بعثه، ولا يخفى عليك أن هذا يقتضي أن تكون إذ مبتدأ والجار والمجرور خبرا وقد اعترض ذلك بأنه لم يعلم أن أحدا من النحويين قال بوقوع إذ كذلك، وما في المثال إذا لا إذ، وهي أيضا فيه ليست مبتدأ أصلا، وإنما جوزوا فيها وجهين: النصب على أن الخبر محذوف وهي سادة مسده، والرفع على أنها هي الخبر، وعلى الأول: يكون الكلام من باب جد جده لأن الأمير أخطب في حال القيام لا كونه، وعلى الثاني: من باب نهاره صائم والوجه الأول هو المشهور، وجوز الثاني عبد القاهر تمسكا بقول بعضهم: أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة بالرفع فكأن الزمخشري قاس إذ على إذا والمبتدأ على الخبر.
وانتصر بعضهم للزمخشري بأنه قد صرح جماعة من محققي النحاة بخروج إذ عن الظرفية فتكون مفعولا به، وبدلا من المفعول وهذا في قوة تصريحهم بوقوعها مبتدأ وخبرا مثلا إذ هو قول بتصرفها، ومتى قيل به كانت جميع الأحوال مستوية في جواز الإقدام عليها من غير تفرقة بين حال وحال إلا لمانع يمنع من ذلك الحال فيها وفي غيرها من سائر الأسماء وهو أمر آخر وراء ما نحن فيه، نعم حكى الشلوبين في " شرح الجزولية " عن بعضهم أن مأخذ التصرف في الظروف هو السماع فإن كان هذا حكم أصل التصرف فقط دون أنواعه ارتفع الغبار عما قاله الزمخشري بناءا على ما ذكرنا بلا خفاء وإن كان حكم الأنواع أيضا كذلك فلا يقدم على الفاعلية بمجرد ثبوت المفعولية ولا على الابتدائية بمجرد ثبوت الخبرية مثلا إلا بورود سماع في ذلك، ففي صحة كلام الزمخشري تردد بين لأن مجرد تصريحهم حينئذ بوقوع إذ مفعولا وبدلا وبوقوع إذا خبرا مثلا لا يجدي نفعا لجواز ورود السماع بذلك دون غيره كما لا يخفى.
وفي قراءة رسول الله وفاطمة صلى الله تعالى عليه وعليها وسلم * (من أنفسهم) * بفتح الفاء أي من أشرفهم لأنه صلى الله عليه وسلم من أشرف القبائل وبطونها وهو أمر معلوم غني عن البيان ينبغي اعتقاده لكل مؤمن. وقد سئل الشيخ ولي الدين العراقي هل العلم بكونه صلى الله عليه وسلم بشرا ومن العرب شرط في صحة الإيمان أو من فروض الكفاية؟ فأجاب بأنه شرط في صحة الإيمان، ثم قال: فلو قال شخص: أومن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق لكن لا أدري هل هو من البشر أو من الملائكة أو من الجن، أو لا أدري هل هو من العرب أو العجم؟ فلا شك في كفره لتكذيبه القرآن وجحده ما تلقته قرون الإسلام خلفا عن سلف وصار معلوما بالضرورة عند الخاص والعام - ولا أعلم في ذلك خلافا - فلو كان غبيا لا يعرف ذلك وجب تعليمه إياه فإن جحده بعد ذلك حكمنا بكفره انتهى، وهل يقاس اعتقاد أنه صلى الله عليه وسلم من أشرف القبائل والبطون على ذلك فيجب ذلك في صحة الإسلام أو لا يقاس فحينئذ يصح إيمان من لم يعرف ذلك لكنه