تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٩١
أو تنازعتم أو فشلتم، وقيل: متعلق بمقدر كاذكر، واستشكل بأنه يصير المعنى اذكر يا محمد إذا تصعدون وفيه خطابان بدون عطف، فالصواب اذكروا.
وأجيب بأن المراد - باذكر - جنس هذا الفعل فيقدر - اذكروا - لا أذكر، ويحتمل أنه من قبيل * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) * (اللاق: 1) ولا يخفى أنه خلاف الظاهر، وأجاب الشهاب بأن أذكر متضمن لمعنى القول، والمعنى قل لهم يا محمد حين يصعدون الخ ومثله لا منع فيه كما تقول لزيد: أتقول كذا فإن الخطاب المحكي مقصود لفظه فلا ينافي القاعدة المذكورة وهم غفلوا عنه فتأمل، ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر أيضا، والإصعاد الذهاب والإبعاد في الأرض، وفرق بعضهم بين الإصعاد والصعود بأن الإصعاد في مستوى الأرض والصعود في ارتفاع، وقيل: لا فرق بين أصعد وصعد سوى أن الهمزة في الأول للدخول نحو أصبح إذا دخل في الصباح والأكثرون على الأول، وقرأ الحسن فيما أخرجه ابن جرير عنه * (تصعدون) * بفتح التاء والعين، وحمله بعضهم على صعود الجبل، وقرأ أبو حيوة * (تصعدون) * بفتح التاء وتشديد العين وهو إما من تصعد في السلم إذا رقى أو من صعد في الوادي تصعيدا إذا انحدر فيه، فقد قال الأخفش: أصعد في الأرض إذا مضى وسار وأصعد في الوادي وصعد فيه إذا انحدر، وأنشد:
فإما تريني اليوم مزجي ظعينتي * (أصعد) طورا في البلاد وأفرع وقال الشماخ:
فإن كرهت هجائي فاجتنب سخطي * لا يدهمنك إفراعي (وتصعيدي) وورد عن غير واحد أن القوم لما امتحنوا ذهبوا فرارا في وادي أحد، وقال أبو زيد: يقال: صعد في السلم صعودا وصعد في الجبل أو على الجبل تصعيدا ولم يعرفوا فيه صعد، وقرأ أبي * (إذ تصعدون) * في الوادي وهي تؤيد قول من قال: إن الإصعاد الذهاب في مستوى الأرض دون الارتفاع، وقرىء - يصعدون - بالياء التحتية وأمر تعلق إذ باذكر عليه ظاهر.
* (ولا تلوون على أحد) * أي لا تقيمون على أحد ولا تعرجون وهو من لوى بمعنى عطف وكثيرا ما يستعمل بمعنى وقف وانتظر لأن من شأن المنتظر أن يلوي عنقه، وفسر أيضا بلا ترجعون وهو قريب من ذلك، وذكر الطبرسي أن هذا الفعل لا يذكر إلا في النفي فلا يقال لويت على كذا، وقرأ الحسن (تلون) بواو واحدة بقلب الواو المضمومة همزة وحذفها تخفيفا. وقرىء * (تلوون) * بضم التاء على أنه من ألوى لغة في لوى، ويلوون بالياء كيصعدون، قال أبو البقاء ويقرأ * (على أحد) * بضمتين - وهو الجبل - والتوبيخ عليه غير ظاهر، ووجهه بعضهم بأن المراد أصحاب أحد أو مكان الوقعة، وفيه إشارة إلى إبعادهم في استشعار الخوف وجدهم في الهزيمة حتى لا يلتفتون إلى نفس المكان.
* (والرسول يدعوكم في أخريكم) * أي يناديكم في ساقتكم أو جماعتكم الأخرى أو يدعوكم من ورائكم فإنه يقال: جاء فلان في آخر الناس وأخرتهم وأخراهم إذا جاء خلفهم، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة للإيذان بأن دعوته صلى الله عليه وسلم كانت بطريق الرسالة من جهته تعالى مبالغة في توبيخ المنهزمين، روي أنه صلى الله عليه وسلم كان ينادي إلي عباد الله إلي عباد الله أنا رسول الله من يكر فله الجنة وكان ذلك حين انهزم القوم وجدوا في الفرار قبل أن يصلوا إلى مدى لا يسمع فيه الصوت فلا ينافي ما تقدم عن كعب بن مالك أنه لما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ونادى بأعلى صوته يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»