المعطوف بما قيد به المعطوف عليه ولو قصد ذلك لأخر، وقيل: يمنع من ذلك العطف أنهم ليسوا جامعين بين الشهادة والكفر، وأجيب بالمنع بل هم جامعون وإن لم يكن ذلك معا، ومن الناس من جعله معطوفا على * (كفروا) * ولم يتكلم شيئا مما ذكر، وزعم أن ذلك في المنافقين وهو خلاف المنقول والمعقول، والأكثرون من المحققين على اختيار الحالية من الضمير في * (كفروا) * وقد معه مقدرة، ولا يجوز أن يكون العامل - يهدي - لأنه يهدي من شهد أن الرسول حق وعليه، وعلى تقدير العطف على الإيمان استدل على أن الإقرار باللسان خارج عن حقيقة الإيمان، ووجه ذلك أن العطف يقتضي بظاهره " المغايرة " بين المعطوف والمعطوف عليه وأن الحالية تقتضي التقييد ولو كان الإقرار داخلا في حقيقة الإيمان لخلا ذكره عن الفائدة، ولو كان عينه يلزم تقييد الشيء بنفسه ولا يخفى ما فيه، وادعى بعضهم أن المراد من الإيمان الإيمان بالله، ومن الشهادة المذكورة الإيمان برسول صلى الله عليه وسلم، والأمر حينئذ واضح فتدبر * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * أي الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بالإخلال بالنظر، ووضع الكفر موضع الإيمان فكيف من جاءه الحق وعرفه ثم أعرض عنه؛ ويجوز حمل الظلم مطلقه فيدخل فيه الكفر دخولا أوليا، والجملة اعتراضية أو حالية.
* (أولائك جزآؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) *.
* (أولئك) * أي المذكورون المتصفون بأشنع الصفات وهو مبتدأ، وقوله سبحانه: * (جزآؤهم) * أي جزاء فعلهم مبتدأ ثان، وقوله عز شأنه: * (أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) * خبر المبتدأ الثاني، وهو وخبره خبر المبتدأ الأول قيل: وهذا يدل بمنطوقه على جواز لعنهم، ومفهومه ينفي جواز لعن غيرهم، ولعل الفرق بينهم وبين غيرهم حتى خص اللعن بهم أنهم مطبوع على قلوبهم ممنوعون بسبب خياثة ذواتهم وقبح استعدادهم من الهدى آيسون من رحمة الله تعالى بخلاف غيرهم، والخلاف في لعن أقوام بأعيانهم ممن ورد لعن أنواعهم - كشارب خمر معين مثلا مشهور - والنووي على جوازه استدلالا بما ورد أنه صلى الله عليه وسلم مر بحمار وسم في وجهه فقال: لعن الله تعالى من فعل هذا وبما صح أن الملائكة تلعن من خرجت من بيتها بغير إذن زوجها، وأجيب بأن اللعن هناك للجنس الداخل فيه الشخص أيضا، واعترض بأنه خلاف الظاهر كتأويل إن وراكبها بذلك - والاحتياط لا يخفى - والمراد من - الناس - إما المؤمنون لأنهم هم الذين يلعنون الكفرة، أو المطلق لأن كل واحد يلعن من لم يتبع الحق، وإن لم يكن غير متبع بناءا على زعمه.
* (خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) *.
* (خالدين فيها) * حال من الضمير في * (عليهم) * (آل عمران: 87) والعامل فيه الاستقرار، والضمير المجرور - للعنة - أو للعقوبة أو للنار، وإن لم يجر لها ذكر اكتفاءا بدلالة اللعنة عليها * (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) * أي لا يمهلون ولا يؤخر عنهم العذاب من وقت إلى وقت آخر، أو لا ينظر إليهم ولا يعتد بهم، والجملة إما مستأنفة أو في محل نصب على الحال.
* (إلا الذين تابوا من بعد ذالك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) *.
* (إلا الذين تابوا من بعد ذلك) * أي الكفر الذي ارتكبوه بعد الإيمان * (وأصلحوا) * أي دخلوا في الصلاح بناءا على أن الفعل لازم من قبيل - أصبحوا - أي دخلوا في الصباح، ويجوز أن يكون متعديا والمفعول محذوف - أي أصلحوا ما أفسدوا - ففيه إشارة كما قيل إلى أن مجرد الندم على ما مضى من الارتداد، والعزم على تركه في الاستقبال غير كاف لما أخلوا به من الحقوق، واعترض بأن مجرد التوبة يوجب تخفيف العذاب ونظر الحق إليهم، فالظاهر أنه ليس تقييدا بل بيان لأن يصلح ما فسد. وأجيب بأنه ليس بوارد لأن مجرد الندم والعزم