تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٢٢٢
من بني آدم) * (الأعراف: 172) الخ * (فمن تولى بعد ذلك) * أي بعد ما علم عهد الله تعالى مع النبيين وتبليغ الأنبياء إليه ما عهد إليهم * (فأولئك هم الفاسقون) * (آل عمران: 82) أي الخارجون عن دين الله تعالى ولا دين غيره معتدا به في الحقيقة إلا توهما * (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض) * أي من في عالم الأرواح وعالم النفوس، أو من في عالم الملكوت وعالم الملك * (طوعا) * باختياره وشعوره * (وكرها) * من حيث لا يدري ولا يدري أنه لا يدري بسبب احتجابه برؤية الأغيار، ولهذا سقط عن درجة القبول * (وإليه يرجعون) * (آل عمران: 83) في العاقبة حين يكشف عن ساق * (ومن يبتغ غير الإسلام) * وهو التوحيد * (دينا) * له * (فلن يقبل منه) * لعدم وصوله إلى الحق لمكان الحجاب * (وهو في الآخرة) * ويوم القيامة الكبرى * (من الخاسرين) * (آل عمران: 85) الذين خسروا أنفسهم * (كيف يهدي الله قوما) * (آل عمران: 86) الآية استبعاد لهداية من فطره الله على غير استعداد المعرفة، وحكم عليه بالكفر في سابق الأزل فإن من لم يكن له استعداد لم يقع في أنوار التجلي، ومن خاض في بحر القهر ولزم قعر بعد البعد لم يكن له سبيل إلى ساحل قرب القرب والله غالب على أمره ولله در من قال:
إذ المرء لم يخلق سعيدا تحيرت * ظنون مربيه وخاب المؤمل فموسى الذي رباه جبريل كافر * وموسى الذي رباه فرعون مرسل هذا والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
* (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * كلام مستأنف لبيان ما ينفع المؤمنين ويقبل منهم - إثر بيان ما لا ينفع الكفار ولا يقبل منهم، و - تنال - من نال نيلا إذا أصاب ووجد، ويقال: نال العلم إذا وصل إليه واتصف به، والبر الاحسان وكمال الخير، وبعضهم يفرق بينه وبين الخير بأن البر هو النفع الواصل إلى الغير مع القصد إلى ذلك، والخير هو النفع مطلقا وإن وقع سهوا، وضد البر العقوق، وضد الخير الشر، و - أل - فيه إما للجنس والحقيقة، والمراد لن تكونوا أبرارا حتى تنفقوا وهو المروي عن الحسن، وإنا لتعريف العهد، والمراد لن تصيبوا بر الله تعالى يا أهل طاعته حتى تنفقوا، وإلى ذلك ذهب مقاتل وعطاء. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه تفسير البر بالجنة، وروي مثله عن مسروق والسدي وعمرو بن ميمون، وذهب بعضهم إلى أن الكلام على حذف مضاف أي - لن تنالوا ثواب البر، وحتى بمعنى إلى، و - من - تبعيضية، ويؤيده قراءة عبد الله (بعض ما تحبون)، وقيل: بيانية، وعليه أيضا لا تخالف بين القراءتين معنى، و (ما) موصولة أو موصوفة، وجعلها مصدرية والمصدر بمعنى المفعول جائز على رأي أبي علي. وفي المراد من قوله سبحانه: * (مما تحبون) * أقوال، فقيل المال وكنى بذلك عنه لأن جميع الناس يحبونه، وقيل: نفائس الأموال وكرائمها، وقيل: ما يعم ذلك وغيره من سائر الأشياء التي يحبها الإنسان ويهواها، والإنفاق على هذا مجاز، وعلى الأولين حقيقة.
وكان السلف رضي الله تعالى عنهم إذا أحبوا شيئا جعلوه لله تعالى، فقد أخرج الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار نخلا بالمدينة وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * قال أبو طلحة: يا رسول الله إن الله تعالى يقول: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 » »»