تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٢١٤
إذ لا يقع ما لا يريده تعالى، وهذا لا ينافي على ما قيل: الجزء الاختياري حتى لا يكون لهم اختيار في الجملة فيكون قولا بمذهب الجبرية، ولا يستدعي عدم توجه تعذيبهم على الكفر ولا عدم الفرق بين المؤمن والكافر بناءاعلى أن الجميع لا يفعلون إلا ما أراده الله تعالى بهم كما وهم، الثالث: ما إشار إليه بعض ساداتنا الصوفية نفعنا الله تعالى بهم أن الإسلام طوعا هو الانقياد والامتثال لما أمر الله تعالى من غير معارضة ظلمة نفسانية وحيلولة حجب الأنانية، والإسلام كرها هو الانقياد مع توسط المعارضات والوساوس وحيلولة الحجب والتعلق بالوسائط، والأول: مثل إسلام الملائكة وبعض من في الأرض من المصطفين الأخيار، والثاني: مثل إسلام الكثير ممن تقلبه الشكوك جنبا إلى جنب حتى غدا يقول: لقد طفت في تلك المعاهد كلها * وسرحت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعا كف حائر * على ذقن أو قارعا سن نادم والكفار من القسم الثاني عند أهل الله تعالى لأنهم أثبتوا صانعا أيضا إلا أن ظلمة أنفسهم حالت بينهم وبين الوقوف على الحق * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * (يوسف: 106) * (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض... ليقولن الله) * (العنكبوت: 61) وإلى هذا يشير كلام مجاهد، وأخرج ابن جرير، وغيره عن أبي العالية أنه قال: كل آدمي أقر على نفسه بأن الله تعالى ربي وأنا عبده فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرها، ومن أخلص لله تعالى العبودية فهو الذي أسلم طوعا، وقرأ الأعمش - كرها - بالضم * (وإليه يرجعون) * أي إلى جزائه تصيرون على المشهور فبادروا إلى دينه، ولا تخالفوا الإسلام، وجوزوا في الجملة أن تكون مستأنفة للأخبار بما تضمنته من التهديد، وأن تكون معطوفة على * (وله أسلم) * فهي حالية أيضا، وقرأ عاصم بياء الغيبة، والضمير - لمن - أو لمن عاد إليه ضمير * (يبغون) * فإن قرىء بالخطاب فهو التفات، وقرأ الباقون بالخطاب، والضمير عائد لمن عاد إليه ضمير * (يبغون) * فعلى الغيبة فيه التفات أيضا.
* (قل ءامنا بالله ومآ أنزل علينا ومآ أنزل على إبراهيم وإسم‍اعيل وإسح‍اق ويعقوب والاسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) *.
* (قل ءامنا بالله) * أمر للرسول صلى الله عليه وسلم أن يخبر عن نفسه والمؤمنين بالإيمان بما ذكر، فضمير (آمنا) للنبي صلى الله عليه وسلم والأمة، وقال المولى عبد الباقي: لما أخذ الله تعالى الميثاق من النبيين أنفسهم أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام وينصروه أمر محمدا أيضا صلى الله عليه وسلم أن يؤمن بالأنبياء المؤمنين به وبكتبهم فيكون * (آمنا) * في موضع آمنت لتعظيم نبينا عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام، أو لما عهد مع النبيين وأممهم أن يؤمنوا أمر محمدا عليه الصلاة والسلام وأمته أن يؤمنوا بهم وبكتبهم. والحاصل أخذ الميثاق من الجانبين على الإيمان على طريقة واحدة ولم يتعرض هنا لحكمة الأنبياء السالفين إما لأن الإيمان بالكتاب المنزل إيمان بما فيه من الحكمة، أو للإشارة إلى أن شريعتهم منسوخة في زمن هذا النبي صلى الله عليه وسلم وكلاهما على تقدير كون الحكمة بمعنى الشريعة ولم يتعرض لنصرته عليه الصلاة والسلام لهم إذ لا مجال بوجه لنصرة السلف، ويؤيد دعوى أخذ الميثاق من الجانبين ما أخرجه عبد الرزاق وغيره عن طاوس أنه قال: أخذ الله تعالى ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا.
* (وما أنزل علينا) * وهو القرآن المنزل عليه صلى الله عليه وسلم أولا وعليهم بواسطة تبليغه إليهم، ومن هنا أتى بضمير الجمع، وقد يعتبر الإنزال عليه عليه الصلاة والسلام وحده، ولكن نسب إلى الجمع ما هو منسوب لواحد منه مجازا على ما قيل، ويحتمل أن تكون النون نون العظمة لا ضمير الجماعة،
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»