تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٢١٨
على ترك الكفر في المستقبل لا يخرجه منه فهو بيان للتوبة المعتد بها، فالمآل واحد عند التحقيق. * (فإن الله غفور رحيم) * أي فيغفر كفرهم ويثيبهم، وقيل: * (غفور) * لهم في الدنيا بالستر على قبائحهم * (رحيم) * بهم في الآخرة بالعفو عنهم - ولا يخفى بعده - والجملة تعليل لما دل عليه الاستثناء.
* (إن الذين كفروا بعد إيم‍انهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأول‍ائك هم الضآلون) *.
* (إن الذين كفروا بعد إيم‍انهم ثم ازدادوا كفرا) * قال عطاء وقتادة: نزلت في اليهود كفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم وكتبهم، ثم * (ازداودا كفرا) * بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، وقيل: في أهل الكتاب آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، ثم كفروا به بعد مبعثه، ثم ازدادوا كفرا بالإصرار والعناد والصد عن السبيل، ونسب ذلك إلى الحسن، وقيل: في أصحاب الحرث بن سويد فإنه لما رجع قالوا: نقيم بمكة على الكفر ما بدا لنا فمتى أردنا الرجعة رجعنا فينزل فينا ما نزل في الحرث، وقيل: في قوم من أصحابه ممن كان يكفر ثم يراجع الإسلام، وروي ذلك عن أبي صالح مولى أم هانىء. و * (كفرا) * تمييز محول عن فاعل، والدال الأولى في * (ازدادوا) * بدل من تاء الافتعال لوقوعها بعد الزاي.
* (لن تقبل توبتهم) * قال الحسن وقتادة والجبائي: لأنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت والمعاينة وعند ذلك لا تقبل توبة الكافر، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لأنها لم تكن عن قلب، وإنما كانت نفاقا، وقيل: إن هذا من قبيل: ولا ترى الضب بها ينجحر أي لا توبة لهم حتى تقبل لأنهم لم يوفقوا لها فهو من قبيل الكناية - كما قال العلامة - دون المجاز حيث أريد بالكلام معناه لينتقل منه إلى الملزوم، وعلى كل تقدير لا ينافي هذا ما دل عليه الاستثناء وتقرر في الشرع كما لا يخفى، وقيل: إن هذه التوبة لم تكن عن الكفر وإنما هي عن ذنوب كانوا يفعلونها معه فتابوا عنها مع إصرارهم على الكفر فردت عليهم لذلك، ويؤيده ما أخرجه ابن جرير عن أبي العالية قال: هؤلاء اليهود والنصارى كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا بذنوب أذنبوها ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم فلم تقبل توبتهم ولو كانوا على الهدى قبلت ولكنهم على ضلالة، وتجيء على هذا مسألة تكليف الكافر بالفروع وقد بسط الكلام عليها في الأصول.
* (وأول‍ئك هم الضالون) * عطف إما على خبر * (إن) * فمحلها الرفع، وإما على * (إن) * مع اسمها فلا محل لها، و * (الضالون) * المخطؤون طريق الحق والنجاة، وقيل: الهالكون المعذبون والحصر باعتبار أنهم كاملون في الضلال فلا ينافي وجود الضلال في غيرهم.
* (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا ولو افتدى به أول‍ائك لهم عذاب أليم وما لهم من ن‍اصرين) *.
* (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار) * أي على كفرهم. * (فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض) * من مشرقها إلى مغربها * (ذهبا) * نصب على التمييز، وقرأ الأعمش - ذهب - بالرفع، وخرج على البدلية من * (ملء) * أو عطف البيان، أو الخبر لمحذوف، وقيل عليه: إنه لا بد من تقدير وصف ليحسن البدل ولا دلالة عليه ولم يعهد بيان المعرفة بالنكرة، وجعله خبرا إنما يحسن إذا جعلت الجملة صفة، أو حالا ولا يخلو عن ضعف، وملء الشيء بالكسر مقدار ما يملؤه، وأمل ملء بالفتح فهو مصدر ملأه ملأ، وأما الملاءة بالضم والمد فهي الملحفة.
وههنا سؤال مشهور وهو أنه لم دخلت الفاء في خبر * (إن) * هنا ولم تدخل في الآية السابقة مع أن الآيتين سواء في صحة إدخال الفاء لتصور السببية ظاهرا؟ وأجاب غير واحد بأن الصلة في الآية الأولى الكفر وازدياده وذلك لا يترتب عليه عدم قبول التوبة بل إنما يترتب على
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 » »»