الموت عليه إذ لو وقعت على ما ينبغي لقبلت بخلاف الموت على الكفرة في هذه الآية فإنه يترتب عليه ذلك ولذلك لو قال: من جاءني له درهم كان إقرارا بخلاف ما لو قرنه بالفاء - كما هو معروف بين الفقهاء - ولا يرد أن ترتب الحكم على الوصف دليل على السببية لأنا لا نسلم لزومه لأن التعبير بالموصول قد يكون لأغراض كالإيماء إلى تحقق الخبر كقوله: إن التي ضربت بيتا مهاجرة * بكوفة الجند غالت دونها غول وقد فصل ذلك في المعاني؛ وقرىء - فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض - على البناء للفاعل وهو الله تعالى ونصب - ملء وملء الأرض - بتخفيف الهمزتين. * (ولو افتدى به) * قال ابن المنير في " الانتصاف ": إن هذه الواو المصاحبة للشرط تستدعي شرطا آخر تعطف عليه الشرط المقترنة به ضرورة والعادة في مثل ذلك أن يكون المنطوق به منبها على المسكوت عنه بطريق الأولى مثاله قولك: أكرم زيدا ولو أساء فهذه الواو عطفت المذكور على محذوف تقديره - أكرم زيدا لو أحسن ولو أساء - إلا أنك نبهت بإيجاب إكرامه وإن أساء على أن إكرامه إن أحسن بطريق الأولى؛ ومنه * (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) * (النساء: 135) فإن معناه - والله تعالى أعلم - لو كان الحق على غيركم ولو كان عليكم ولكنه ذكر ما هو أعسر عليهم فأوجبه تنبيها على أن ما كان أسهل أولى بالوجوب، ولما كانت هذه الآية مخالفة لهذا النمط من الاستعمال لأن قوله سبحانه: * (ولو افتدى به) * يقتضي شرطا آخر محذوفا يكون هذا المذكور منبها عليه بطريق الأولى، والحالة المذكورة أعني حالة افتدائهم - بملء الأرض ذهبا - هي أجدر الحالات بقبول الفدية، وليس وراءها حالة أخرى تكون أولى بالقبول منها - خاض المفسرون بتأويلها - فذكر الزمخشري ثلاثة أوحه حاصل الأول: أن عدم قبول - ملء الأرض - كناية عن عدم قبول فدية ما لدلالة السياق على أن القبول يراد للخلاص وإنما عدل تصويرا للتكثير لأنه الغاية التي لا مطمح وراءها في العرف، وفي الضمير يراد * (ملء الأرض) * على الحقيقة فيصير المعنى لا تقبل منه فدية ولو افتدى - بملء الأرض ذهبا - ففي الأول نظر إلى العموم وسده مسد فدية ما، وفي الثاني إلى الحقيقة أو لكثرة المبالغة من غير نظر إلى القيام مقامها، وحاصل الثاني: أن المراد ولو افتدى بمثله معه كما صرح به في آية أخرى ولأنه علم أن الأول فدية أيضا كأنه قيل: لا يقبل ملء الأرض فدية ولو ضوعف، ويرجع هذا إلى جعل الباء بمعنى مع، وتقدير مثل بعده أي مع مثله، وحاصل الثالث: أنه يقدر وصف يعينه المساق من نحو كان متصدقا به، وحينئذ لا يكون الشرط المذكور من قبل ما يقصد به تأكيد الحكم السابق بل يكون شرطا محذوف الجواب ويكون المعنى لا يقبل منه - ملء الأرض ذهبا لو تصدق ولو افتدى به أيضا لم يقبل منه - وضمير * (به) * للمال من غير اعتبار وصف التصدق فالكلام من قبيل * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره) * (فاطر: 11)، وعندي درهم ونصفه انتهى، ولا يخفى ما في ذلك من الخفاء والتكلف، وقريب من ذلك ما قيل: إن الواو زائدة، ويؤيد ذلك أنه قرىء في الشواذ بدونها وكذا القول: بأن * (لو) * ليست وصلية بل شرطية، والجواب ما بعد أو هو ساد مسده، وذكر ابن المنير في الجواب مدعيا أن تطبيق الآية عليه أسهل وأقرب بل ادعى أنه من السهل الممتنع أن قبول الفدية التي هي ملء الأرض ذهبا تكون على أحوال تارة تؤخذ قهرا كأخد الدية، وكرة يقول المفتدي: أنا أفدي نفسي بكذا ولا يفعل، وأخرى يقول ذلك والفدية عتيدة ويسلمها لمن يؤمل قبولها منه فالمذكور في الآية أبلغ الأحوال وأجدرها بالقبول، وهي أن يفتدي بملء الأرض ذهبا افتداءا محققا بأن
(٢١٩)